كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
النهار كله وبالليل إذا سجى جميع الليل وتخصيص الضحى على ما سمعت أولا لما سمعت وتخصيص الليل بناء على أن المراد وقت اشتداد الظلمة قيل لأنه وقت خلو المحب بالمحبوب والأمن من كل واش ورقيب وقال الطيبي طيب الله تعالى ثراه في ذلك أنه تعالى أقسم له صلى الله تعالى عليه وسلم بوقتين فيهما صلاته عليه الصلاة و السلام التي جعلت قرة عينه وسبب مزيد قربه وأنسه أماالضحى فلما رواه الدارقطني في المجتبي عن ابن عباس مرفوعا كتب على النحر ولميكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها وأما الليل فلقوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك إرغاما لأعدائه وتكذيبا لهم في زعم قلاه وجفائه فكأنه قيل وحق قربك لدينا وزلفاك عندنا إنا اصطفيناك وما هجزناك وقليناك فهو كقوله
وثنا ياك أنها أغريض
وهو مما تستطيبه أهل الأذواق ويمكن أن يكون الأقسام بالليل على ما نقل عن قتادة من باب وثناياك أيضا وكذا الأقسام بهما على بعض الأوجه المارة كما لا يخفى وعلى كون المراد بالضحى الوقت المعروف من النهار وبالليل جميعه قيل أن التفرقة للأشارة إلى أن ساعة من النهار توازي جميع الليل كما أن النبي عليه الصلاة و السلام يوازي جميع الأنبياء عليهم السلام وللأشارة لكون النهار وقت السرور والليل وقت الوحشة والغم إلى أن هموم الدنيا وغمومها أدوم من سرورها وقد روي أن الله تعالى لما خلق العرش أظلت عن يسارة غمامة فنادت ماذا أمطر فأمرت أن تمطر الغموم والأحزان فأمطرت مائة سنة ثم انكشفت فأمرت مرة أخرى بذلك وهكذا إلى تمام ثلثمائة سنة ثم أظلت عن يمين العرش غمامة بيضاء فنادت ماذا أمطر فأمرت أن تمطر السرور ساعة فلذا ترى الغموم والأحزان أدوم من المسار في الدنيا والله تعالى أعلم بصحبة الخبر وقيل غير ذلك وقوله تعالى ما ودعك ربك الخ جواب القسم وودع من التوديع وهو في الأصل من الدعة وهو أن تدعو للمسافر بأن يدفع الله تعالى عنه كآبة السفر وأن يبلغه الدعة وخفض العيش كما أن التسليم دعاء بالسلامة ثم صار متعارفا في تشييع المسافر وتركه ثم استعمل في الترك مطلقا وفسر به هنا أي ما تركك ربك وفي البحر والكشاف التوديع مبالغة في الودع أي الترك لأن من ودعك مفارقا فقد بالغ في تركك قيل وعليه يلزم أن يكون المنفي الترك المبالغ فيه دون أصل الترك مع أن الظاهر نفي ذلك فلا بد من أن يقال أنه إنما نفي ذلك لأنه الواقع في كلام المشركين الذي نزلت له الآية أو أن المبالغة تعود على النفي فيكون المراد المبالغة في النفي لا نفي المبالغة وقد ذكروا نظير هذين الوجهين في قوله تعالى وما ربك بظلام للعبيد فتدبر وقيل أن المعنى ما قطعك قطع المودع على أن التوديع مستعارة تبعية للترك وفيه من اللطف والتعظيم ما لا يخفى فإن الوداع إنما يكون بين الأحباب ومن تعز مفارقته كما قال المتنبي حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا
فلم أدر أي الظاعنين أشيع وحقيقة التوديع المتعارف غير متصورة ههنا وتعقب بأنه على هذا لا يكون ردا لما قاله المشركون لأنهم لم يقولوا ودعه ربه على هذا المعنى كيف وهم بمعزل عن اعتقاد كونه عليه الصلاة و السلام بالمحل الذي هو صلى الله تعالى عليه وسلم فيه من ربه سبحانه وقيل في الجواب أنه يجوز أن يدل ودعه ربه على ذلك إلا أنهم قاتلهم الله تعالى قالوه على سبيل التهكم والسخرية وحين رد عليهم قصد ما يشعر به اللفظ على التحقيق وقيل أن الترك مطلق في كلامهم والظاهر من حالهم أنهم لم يريدوا الماهية من حيث هي ولا من ذحيث تحققها في ضمن ما لا يخل بشريف مقامه عليه الصلاة و السلام بل الماهية من حيث تحققها في ضمن ما يخل بذلك ولما كان المقصود إيناسه صلى الله تعالى عليه وسلم وإزالة وحشته عليه الصلاة و السلام جيء بما يتضمن نفي ما زعموه على أبلغ وجه كأنه قيل أن هذا