كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

النوع الغير المخل بمقامك من الترك لم يكن فضلا عما زعموه من الترك المخل بغزير مقامك وعندي أن الظاهر أن ذلك القول بأي معنى كان صادر على سبيل التهكم إذا كان المراد بالرب هو الله عز و جل وكان القائل من المشركين كما لا يخفى على المتأمل وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام وأبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة ما ودعك بالتخفيف وهي على ما قال ابن جني قراءة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وخرجت على أن ودع مخفف ودع ومعناه معناه قال في القاموس ودعه كوضعه وودع بمعنى وقيل ليس بمخففة بل هو فعل برأسه بمعنى ترك وأنه يعكر على قول النحاة أماتت العرب ما ضي يدع ويذر ومصدرهما واسم فاعلهما واسم مفعولهما واستغنوا بما ليترك من ذلك وفي المغرب أن النحاة زعموا أن العرب أماتت ذلك والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفصحهم وقد قال عليه الصلاة و السلام لينتهين أقوام عن ودعهم الجماعات وقرأ ما ودعك وقال أبو الأسود ليت شعري عن خليلي ما الذي
غاله في الحب حتى ودعه ومثله قول آخر وثم ودعنا آل عمرو وعامر
فرائس أطراف المثقفة السمر وهو دليل أيضا على استعمال ودع وهو بمعنى ترك المتعلق بمفعولين فلا تغفل وفي الحديث اتركوا الترك ما تركوكم ودعوا الحبشة ما ودعوكم وفي المستوفي أن كل ذلك قد ورد في كلام العرب ولا عبرة بكلام النحاة وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل نعم وروده نادر وقال الطيبي بعد أن ذكر وروده نظما ونثرا إنما حسن هذه القراءة الموافقة بين الكلمتين يعني هذه وما بعدها كما في حديث الترك والحبشة لأن رد العجز على الصدر وصنعة الترصيع قد جبرا منه وقيل أن القائلين إنما قالوا ودعه ربه بالتخفيف فنزلت فيكون المحسن له قصد المشاكلة لما قالوه وهم تكلموا بغير المعروف طيرة منهم كان غير المعروف من اللفظ مما يتشائم به من الفأل الرديء أو أنهم لما قصدوا السخرية حسن استعمال اللفظ وقد قالوا يحسن استعمال الألفاظ الغريبة ونحوها في الهجاء فلا يبعد أن يكون في السخرية كذلك والحق أنه بعد ثبوت وروده لا يحتاج إلى تكليف محسن له والظاهر أن المراد بالرب هو الله عز و جل وفي التعبير عنه بعنوان الربوبية وإضافته إلى ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم من اللطف ما لا يخفى فكأنه قيل ما تركك المتكفل بمصلحتك والمبلغ لك على سبيل التدريج كما لك اللائق بك وما قلى أي وما أبغضك وحذف المفعول لئلا يواجه عليه الصلاة و السلام بنسبة القلي وإن كانت في كلام منفي لطفا به صلى الله تعالى عليه وسلم وشفقة عليه عليه الصلاة و السلام أو لنفي صدوره عنه عز و جل بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم ولأحد من أصحابه ومن أحبه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى يوم القيامة أو للأستغناء عنه بذكره من قبل مع أن فيه مراعاة للفواصل واللغة المشهورة في مضارع قلي كيرمي وطيء تقول يقل بفتح العين كيرضى وتفسير القلي بالبغض شائع وفي القاموس من الواوي قلا زيدا قلا وقلاه أبغضه ومناليائي قلاه كرماه ورضيه قلي وقلاه ومقلية أبغضه وكرهه غاية الكراهة فتركه أو قلاه في الهجر وقلبه في البغض وفي مفردات الراغب القلي شدة البغض يقال قلاه يقلوه ويقليه فمن جعله من الواوي فهو من القلو أي الرمي من قولهم قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة فكان المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله ومن جعله من اليائي فمن قليت البسر والسويق على الملاقاة انتهى وبينهما مخالفة لا تخفى وعلى اعتبار شذة البغض فالظاهر أن ذلك في الآية ليس إلا لأنه الواقع في كلامهم قال المفسرون أبطأ جبريل عليه السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال المشركون قد قلاه ربه وودعه فأنزل الله تعالى ذلك وأخرج الحاكم عن زيد ابن أرقم قال لما نزلت تبت يدا أبي لهب الخ قيل لامرأة أبي لهب أم جميل أن محمدا صلى الله تعالى عليه

الصفحة 156