كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
وسلم قد هجاك فأتته عليه الصلاة و السلام وهو صلى الله تعالى عليه وسلم جالس في الملا فقالت يا محمد علام تهجوني قال إني والله ما هجوتك ما هجاك إلا الله تعالى فقالت هل رأيتني أحمل حطبا أو في جيدي حبلا من مسد ثم انطلقت فمكث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا ينزل عليه فاتنة فقالت ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك فأنزل الله تعالى ذلك وأخرج الترمذي وصححه وابن أبي حاتم واللفظ له عن جندب البجلي قال رمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بحجر في إصبعهفقال
ما أنت إلا اصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت
فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم فقالت له امرأة ما أرى شيطانك إلا قد تركك وفي رواية للترمذي أيضا والإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وجماعة بلفظ اشتكى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله تعالى والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وليس فيه حديث المرأة ولا الحجر والزجر وذلك لا يطعن في صحته وقال جمع من المفسرسن أن اليهود سألوه عليه الصلاة و السلام عن أصحاب الكهف وعن الروح وعن قصة ذي القرنين فقال عليه الصلاة و السلام سأخبركم غدا ولم يستثن فاحتبس عنه الوحي فقال المشركون ما قالوا فنزلت وقيل إن عثمان أهدى إليه صلى الله تعالى عليه وسلم عنقود عنب وقيل عذق تمر فجاء سائل فأعطاه ثم اشتراه عثمان بدرهم فقدمه إليه عليه الصلاة و السلام ثانيا ثم عاد السائل فأعطيه وهكذا ثلاث مرات فقال عليه الصلاة و السلام ملاطفا لا غضبان أسائل أنت يا فلان أم تاجر فتأخر الوحي أياما فاستوحش فنزلت ولعلهمأيضا قالوا ما قالوا وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خولة وكانت تخدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن جروا تحت سرير رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فمات ولم نشعر فمكث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أربعة أيام ينزل عليه الوحي فقال يا خولة ما حدث في بيت رسول الله عليه الصلاة و السلام جبريل لا يأتيني فقلت يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير منا اليوم فأخذ برده فلبسه وخرج فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهوي بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بد إلي الجرو ميتا فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فقال يا خولة دثريني فأنزل الله تعالى والضحى والليل إلى قوله سبحانه فترضى وهذه الرواية تدل على أن الأنقطاع كان أربعة أيام وعن ابن جريج أنه كان اثني عشر يوما وعن الكلبي خمسة عشر يوما وقيل بضعة عشر يوما وعن ابن عباس خمسة وعشرين يوما وعن السدي ومقاتل أربعين يوما وأنت تعلم أن مثل ذلك مما يتفاوت العلم بمبدئه ولا يكاد يعلم على التحقيق إلا منه عليه الصلاة و السلام والله تعالى أعلم وفي بعض الروايات ما يدل على أن قائل ذلك هو النبي عليه الصلاة و السلام فعن الحسن أنه قال ابطأ الوحي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال لخديجة إن ربي ودعني وقلاني يشكو إليها فقالت كلا والذي بعثك بالحق ما أبتدأك الله تعالى بهذه الكرامة إلا وهو سبحانه يريد أن يتمها لك فنزلت واستشكل هذا بأنه لا يليق بالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أن يظن أن الله تعالى شأنه ودعه وقلاه وهل إلا نحو من العزل وعزل النبي عن النبوة غير جائز في حكمته عز و جل والنبي عليه الصلاة و السلام أعلم بذلك ويعلم صلى الله تعالى عليه وسلم أيضا أن أبطأ الوحي وعكسه لا يخلو كل منهما عن مصلحة وحكمة وأجيب بأن مراده عليه الصلاة و السلام إن صح أن يجربها ليعرف قدر علمها أو ليعرف الناس ذلك فقال ما قال صلى الله تعالى عليه وسلم بضرب من التأويل قد قصد إن ربي ودعني وقلاني بزعم المشركين أو أن معاملته سبحانه إياي بأبطاء الوحي تشبه صورة معاملة المودع والقالي وأنت تعلم أن هذه الرواية شاذة لا يعول عليها ولا يلتفت إليها فلا ينبغي اتعاب الذهن بتأويلها