كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
وجوز أيضا أن يكون المعنى أن انقطاع الوحي لا يجوز أن يكون لما يتوهمون لأنه عز عن النبوة وهو مستحيل في الحكمة بل أقصى ما في الباب أن يكون ذلك لأنه حصل الأستغناء عن الرسالة وذلك إمارة الموت فكأنه تعالى قال انقطاع الوحي متى حصل دل على الموت لكن الموت خير لك فإن مالك عند الله تعالى في الآخرة أفضل مما لك في الدنيا وهذا كما ترى دون ما قبله بكثير والمتبادر مما قرروه أن الجملة مستأنفة واللام فيها ابتدائية وقد صرح جمع بأنها كذلك في قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك فترضى وقالوا فائدتها تأكيد مضمون لجملة وبعدها مبتدأ محذوف أي ولأنت سوف يعطيك الخ وأورد عليه أن التأكيد يقتضي الأعتناء والحذف ينافيه ولذا قال ابن الحاجب أن المبتدأ المؤكد باللام لا يحذف وأن اللام مع المبتدأ كقد مع الفعل وأن مع الاسم فكما لا يحذف الفعل والاسم ويبقيان بعد حذفهما كذلك لا يحذف المبتدأ وتبقى اللام وأنه يلزم التقدير والأصل عدمه وإن اللام لتخلص المضارع الذي في حيزها للحال كتأكيد مضمون الجملة وهو هنا مقرون بحرف التنفيس والتأخير فيلزم التنافي ورد المؤكد الجملة لا المبتدأ وحده حتى ينافي تأكيده حذفه وكلام ابن الحاجب ليس حجة على الفارسي وأمثاله وأن يحذف معها الأسم كثيرا كما ذكره النحاة وكذا قد يحذف بعدها الفعل كقوله أزف الترحل غير أن ركابنا
لما تزل برحالنا وكان قد مع أنه لو سلم فقد يفرق كما قال الطيبي بين أن وقد وهذه اللام بأنهما يؤثران في المدخول عليه مع التأكيد بخلاف هذه اللام فإن مقتضاها إن تؤكد مضمون الجملة لا غير وهو باق وإن حذف المبتدأ فالقياس قياس مع الفارق والنحويون يقدرون كثيرا في الكلام قدروا المبتدأ في نحو قمت وأصك عينه وهو لأجل الصناعة دون المعنى كما فيما نحن فيه واللام المؤكدة لا نسلم أنها لتخليص المضارع للحال أيضا بل هي لمطلق التأكيد فقط ويفهم معها الحال بالقرينة لأنه أنسب بالتأكيد وعلى تسليم أنها لتخليصه للحال أيضا يجوز أن يقال أنها تجردت للتأكيد هنا بقرينة ذكر سوف بعدها والمراد تأكيد المؤخر أعني الإعطاء لا تأكيد التأخير فالمعنى إن الأعطاء كائن لا محالة وإن تأخر لحكمة وعلى تسليم أنها للأمرين ولا تجرد يجوز أن يقال نزل المستقبل أعني الإعطاء الذي يعقبه الرضا لتحقق وقوعه منزلة الواقع الحالي نظير ما قيل في قوله تعالى أن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة وقيل يحسن هذا جدا فيما نحن فيه على القول بأن الإعطاء قد شرع فيه عند نزول الآية بناء على أحد أوجهها الآتية بعد أن شاء الله تعالى وذهب بعضهم بأن اللام الأولى للقسم وكذا هذه اللام وبقسميتها جزم غير واحد فالواو عليه للعطف فكلا الوعدين داخل في المقسم عليه ويكون الله تعالى قد أقسم على أربعة أشياء اثنان منفيان واثنان مثبتان وهو حسن في نظري واعترض بأن لام القسم لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة فلو كانت للقسم لقيل لسوف يعطيك ربك ولا يخفى أن هذا أحد مذهبين للنحاة والآخر أنه يستثنى ما قرن بحرف تنفيس كما هنا ففي المغنى أنه تجب اللام وتمتنع النون فيه كقوله فوربي لسوف يجزي الذي
أسلف المرء سيئا أو جميلا وكذا مع فصل معمول بين اللام والفعل نحو ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون ومع كون الفعل للحال نحو لا قسم وقد يمتنعان وذلك مع الفعل المنفي نحو تالله تفتؤ وقد يجبان وذلك فيما بقي نحو تالله لأكيدن أصنامكم وعليه لا يتجه الأعتراض مع أن الممنوع بدون النون في جواب القسم لا في المعطوف عليه كما هنا فإنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع وإنما ذكرت اللام تأكيدا للقسم وتذكيرا به وبالجملة هذا الوجه أقل دغدغة من الوجه السابق ولا يحتاج فيه إلى توجيه جمع اللام مع سوف إذا لم يقل أحد من