كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

الذي غيب أبوه في التراب فيقول الملائكة أنت أعلم فيقول الله تعالى يا ملائكتي إني أشهدكم أن على لمن أسكنه وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة فكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا رأى يتيما مسح رأسه وأعطاه شيئا ولم يصح في كيفية مسحه شيء والرواية عن ابن مسعود في ذلك قد قيل فيها ما قيل وروي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال أنا وكافل اليتيم كهاتين إذا اتقى الله عز و جل وأشار بالسبابة والوسطى إلى غير ذلك من الأخبار وأما السائل فلا تنهر أي فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل وأريد به عند جمع السائل المستجدي الطالب لشيء من الدنيا وتدل الآية على الأعتناء بشأنه أيضا وعن إبراهيم ابن أدهم نعم القول السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وعن إبراهيم النخعي السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول أتبعثون إلى أهليكم بشيء وشاع حديث للسائل حق وأن جاء على فرس وقد قال فيه الإمام أحمد كما في تمييز الطيب من الخبيث لا أصل له وأخرجه أبو داود عن الحسين ابن علي رضي الله تعالى عنهما موقوفا وسكت عنه وقال العراقي سنده جيد وتبعه غيره وقال ابن عبد البر أنه ليس بالقوي وعول كثير على ما قال الإمام أحمد وفي معناه احتمالان كل منهما يؤذن بالأهتمام بأمر السائل وروي من طرق عن عائشة وغيرها لو صدق السائل ما أفلح من رده وهو أيضا على ما قال ابن المديني لا أصل له وقال ابن عبد البر جميع أسانيده ليست بالقوية نعم أخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة مرفوعا ما يقرب منه وهو لو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم ولم أقف على من تعقبه ثم النهي على النهر على ما قالوا إذا لم يلح في السؤال فإن ألح ولم ينفع الرد اللين فلا بأس بالزجر قال أبو الدرداء والحسن وسفيان وغيرهم المراد بالسائل هنا السائل عن العلم والدين لا سائل المال ولعل النهي عن زجره على القول الأول يعلم بالأولى ويشهد للأولوية أنه أنه لا وعيد على ترك أعطاء المستجدي لمن يجد ما يستجديه بخلاف ترك جواب سائل العلم لمن يعلم ففي الحديث من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل من أن الظاهر الثاني من القولين وأما بنعمة ربك فحدث فإن التحدث بها شكر لها كما قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة والفضيل بن عياض وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن حيان والبيهقي والضياء عن جابر بن عبد الله مرفوعا من أعطى فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذا لم يرد به الرياء والأفتخار وعلم الأقتداء به بل بعض أهل البيت رضي الله تعالى عنهم حمل الآية على ذلك أخرج ابن أبي حاتم عن مقسم قال لقيت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما فقلت أخبرني عن قول الله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث فقال الرجل المؤمن يعمل عملا صالحا فيخبر به أهل بيته وأخرج ابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال فيها إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك والظاهر أن المراد بالنعمة ما أفاضه الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم من فنون النعم التي من جملتها ما تقدم وأخرج ابن المنذر وغيره عن مجاهد تفسيرها بالنبوة ورووا عنه أيضا تفسيرها بالقرآن ووافقه في الأول محمد بن إسحاق وفي الثاني الكلبي وعليهما المراد بالتحديث التبليغ ولا يخفى أن كلا التفسيرين غير مناسب لما قبل وهذه الجمل الثلاث مرتبة على ما قبلها على اللف والنشر المشوش وحاصل المعنى أنك كنت يتيما وضالا وعائلا فآواك وهداك وإناك فمهما يكن من شيء فلا تنس نعمة الله تعالى عليك في هذه الثلاث واقتد بالله تعالى فتعطف على اليتيم وترحم على السائل فقد ذقت اليتم والفقر وقوله تعالى وأما بنعمة الخ في مقابلة قوله سبحانه وجدك ضالا فهدى لعمومه وشموله لهدايته عليه الصلاة و السلام من

الصفحة 164