كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
وإسناد الإنقاض للحمل إسناد للسبب الحامل مجازا والمراد بالحمل المنقض هنا ما صدر منه صلى الله تعالى عليه وسلم قبل البعثة مما يشق عليه صلى الله تعالى عليه وسلم تذكره لكونه في نظره العالي دون ما هو عليه عليه الصلاة و السلام بعد أو غفلته عن الشرائع ونحوها مما لا يدرك إلا بالوحي مع تطلبه صلى الله تعالى عليه وسلم لأه أو حيرته عليه الصلاة و السلام في بعض الأمور كإداء حق الرسالة أو الوحي وتلقيه فقد كان يثقل عليه صلى الله تعالى عليه وسلم في ابتداء أمره جدا أو ما كان يرى صلى الله تعالى عليه وسلم من ضلال قومه مع العجز عن إرشادهم لعدم طاعتهم له وإذعانهم للحق أو ما كان يرى من تعديهم في إيذائه عليه الصلاة و السلام أو همه عليه الصلاة و السلام من وفاة أبي طالب وخديجة بناء على نزول السورة بعد وفاتهما ويراد بوضعه على الأول مغفرته وعلى الثاني إزالة غفلته عليه الصلاة و السلام عنه بتعليمه إياه بالوحي ونحوه وعلى الثالث إزالة ما يؤدي للحيرة وعلى الرابع تيسيره له صلى الله تعالى عليه وسلم بتدربه واعتباره له وعلى الخامس توفيق بعضهم للإسلام كحمزة وعمر وغيرهما وعلى السادس تقويته صلى الله تعالى عليه وسلم على التحمل وعلى السابع إزالة ذلك برفعه إلى السماء حتى لقيه كل ملك وحياة وفوزه بمشاهدة محبوبة الأعظم ومولاه عز و جل وأيا ما كان ففي الكلام استعارة تمثيلية والوضع ترشيح لها وليس فيه دليل لنا في العصمة كما لا يخفى واختار أبو حيان كون وضع الوزر كناية عن عصمته صلى الله تعالى عليه وسلم عن الذنوب وتطهيره من الأدناس عبر ذلك بالوضع على سبيل المبالغة في انتقاء ذلك كما يقول القائل رفعت عنك مشقة الزيارة لمن لم يصدر منه زيارة على طريق المبالغة في انتفاء الزيارة منه له والتمثيل عليه بحاله على ما قيل المراد وزر أمتك وإنما أضيف إليه صلى الله تعالى عليه وسلم لاهتمامه بشأنه وتفكره في أمره والمراد بوضعه رفع غائلته في الدنيا من العذاب العاجل ما دام صلى الله تعالى عليه وسلم فيهم وما داموا يستغفرون فقد قال سبحانه وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ولا يخفى بعد هذا الوجه وقرأ أنس وحططنا وحللنا مكان وضعنا وقرأ ابن مسعود عنك وقرك ورفعنا لك ذكرك بالنبوة وغيرها وأي رفع مثل أن قرن اسمه عليه الصلاة و السلام باسمه عز و جل في كلمتي الشهادة وجعل طاعته وصلى عليه في ملائكته وأمر المؤمنين بالصلاة عليه وخاطبه بالألقاب كيا أيها المدثر يا أيها المزمل يا أيها النبي الرسول وذكره سبحانه في كتب الأولين وأخذ على الأنبياء عليهم السلام وأممهم أن يؤمنوا به صلى الله تعالى عليه وسلم وروي عن مجاهد وقتادة ومحمد بن كعب والضحاك والحسن وغيرهم أنهم قالوا في ذلك لا أذكر إلا ذكرت معي وفيه حديث مرفوع أخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي حبان وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال أتاني جبريل عليه السلام فقال إن ربك يقول أتدري كيف رفعت ذكرك قلت الله تعالى أعلم قال إذا ذكرت ذكرت معي وكان ذلك من الأقتصار على ما هو أعظم قدرا من أفراد رفع الذكر ويشير إلى عظم قدره قول حسان أغر عليه للنبوة خاتم
من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد ولا يخفى لطف ذكر الرفع بعد الوضع والكلام في العطف وزيادة لك كالذي سلف والفاء في قوله عز و جل فإن مع العسر يسرا على ما في الكشاف فصيحة والكلام وعد له صلى الله تعالى عليه وسلم مسوق للتسلية والتنفيس قال كان المشركون يعيرون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم