كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
ما لا يعقبه يسر أخروي أيضا كعسر الكافر والجواب بأن الحكم بالنسبة للمؤمنين كما يقتضيه مقام التسلية والتنفيس ويشعر به ما رواه في الموطأ عن زيد بن أسلم قال كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر رضي الله تعالى عنه أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن شدة يجعل الله تعالى بعده فرجا ولن يغلب عسر يسرين ولا يحسم الأشكال إذ يبقى معه أن من عسر المؤمن ما لا يعقبه يسر دنيوي كما هو ظاهر بل منه ما لا يعقبه يسر أخروي أيضا وذلك كعسر المؤمن الجازع فإنه لا يثاب عليه في الآخرة والظاهر من اليسر هو الثواب فيها على ذلك العسر وإرادة المؤمن الصابر يبقى معها إن من عسره أيضا ما لا يعقبه اليسر الدنيوي وأجاب بعض على وجه التأكيد بأن الأستغراق عرفي ويكفي فيه أن العسر في الغالب يعقبه يسر وعلى وجه التأسيس بهذا مع كون الحكم بالنسبة للمؤمن الصابر وآخر بأن الحكم مشروط بمشيئته تعالى وإن لم تذكر قيل ويشعر بذلك ما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بشر بهذه الآية أصحابه فقال عليه الصلاة و السلام لن يغلب عسر إن شاء الله تعالى يسرين ويفهم من كلام بعض الأفاضل أنه يجوز على وجه التأكيد أن يكون مع ظاهرها والتنوين في يسر اللنوعية ولا إشكال في الإستغراق إذ لا يخلو المرء في حال العسر عن نوع من اليسر وأقله دفع ما هو أعظم مما أصابه عنه ويجوز أن يكون التنوين للتفخيم أيضا ويكون اليسر العظيم المقارن للعسر هو دفع الأعظم وما من عسر إلا وعند الله تعالى أعظم منه وأعظم وأنه لا يأبى ذلك لن يغلب عسر يسرين إما لأن المعنى لن يغلب فرد من أفراد العسر ذكر اليسر مرتين في مقام التسلية أو لأن الآية أفادت أن مع العسر يسرا وقد علم أن بعده آخر على ما جرت به العادة الغالبة أو فهم من قوله تعالى سيجعل الله بعد عسر يسرا إن كان نزوله متقدما وذكر بعضهم أن المعية على حقيقتها عند الخاصة على معنى أن كل ما فعل المحبوب محبوب كما يشير إليه قول الشيخ عمر بن الفارض قدس سره وتعذيبكم عذب لدي وجوركم
على بما يقتضي الهوى لكم عدل وقول الآخر برجا تم أزتوهر جه
رسدجاي منت أست كدناوك جفا ست
وكر خنجر ستم وتسمية ذلك عسرا لأنه في نفسه وعند العامة كذلك لا بالنسبة إلى من أصحابه من المحبين المستعذبين له والكل كما ترى ثم إنه يبعد إرادة المعية الحقيقية ما أخرجه البزار وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالسا وحياله حجر فقال عليه الصلاة و السلام لو جاء العسر فدخل هذا الحجر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه فأنزل الله تعالى إن مع العسر يسرا الخ ولفظ الطبراني وتلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فإن مع العسر يسرا وإرادة العهد أسلم من القيل والقال وكأن من اختاره اختاره لذلك مع الأستئناس له بسبب النزول لكن الذي يقتضيه الظواهر ومقاماتها الخطابية الأستغراق فإذا قيل به فلا بد من التقييد بكون من أصابه العسر واثقا بالله تعالى حسن الرجاء به عز و جل منقطعا إليه سبحانه أو بنحو ذلك من القيود فتدبر والله تعالى الميسر لكل ما يتعسر وقرأ ابن وثاب وأبو جعفر وعيسى العسر يسرا في الموضعين بضم السين فإذا فرغت أي من عبادة كتبليغ الوحي فانصب فاتعب في عبادة أخرى شكرا لما عددنا عليك من النعم السالفة ووعدناك من الآلاء الآنفة كأنه عز و جل لما عدد عليه ما عدد ووعده صلى الله تعالى عليه وسلم بما وعد بعثه على الشكر والأجتهاد في العبادة وإن لا يخلي وقتا من أوقاته منها فإذا فرغ من