كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

سورة التين
ويقال لها سورة التين بلا واو مكية في قول الجمهور وعن قتادة أنها مدنية وكذا عن ابن عباس على ما في البحر ومجمع البيان برواية المعدل وأخرج عنه ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي ما يوافق قول الجمهور ويؤيده إشارة الحضور في قوله تعالى وهذا البلد الأمين فإن المراد به مكة بإجماع المفسرين فيما نعلم وآيها ثمان آيات في قولهم جميعا لما ذكر سبحانه في السورة السابقة حال أكمل النوع الإنساني بالإتفاق بل أكمل خلق الله عز و جل على الإطلاق صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر عز و جل في هذه السورة حال النوع وما ينتهي إليه أمره وما أعد سبحانه لمن آمن منه بذلك الفرد الأكمل وفخر هذا النوع المفضل صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وعظم وكرم فقال عز قائلا بسم الله الرحمن الرحيم
والتين والزيتون
وطور سنين
وهذا البلد الأمين إقسام ببقاع مباركة شريفة على ما ذهب إليه كثير فأما البلد الأمين فمكة حماها الله تعالى بلا خلاف وجاء في حديث مرفوع وهو مكان البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومبعثه والأمين فعيل بمعنى إما بمعنى فاعل أي الآمن من أمن الرجل بضم الميم أمانة فهو أمين وجاء أمان أيضا كما جاء كريم وكرام ولم يسمع آمن فاعل وسمع على معنى النسب كما في قوله تعالى حرما آمنا بمعنى ذي أمن وأمانته أن يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ففيه تشبيه بالرجل الأمين وأما بمعنى مفعول أي المأمون من أمنه أي لم يخفه ونسبته إلى البلد مجازية والمأمون حقيقة الناس أي لا تخاف غوائلهم فيه أو الكلام على الحذف والإيصال أي المأمون فيه من الغوائل وإقحام اسم الإشارة للتعظيم وأما طور سينين فالجبل الذي كلم الله تعالى شأنه موسى عليه السلام عليه ويقال له طور سيناء بكسر السين والمد وبفتحها والمد وقد قرأ بالأول هنا بدل سينين عمر بن الخطاب وعبد الله وطلحة والحسن وبالثاني عمر أيضا وزيد بن علي وطور سينين بفتح السين وهي لغة بكر وتميم وقد قرأ بها ابن أبي إسحاق وعمرو بن ميمون وأبو رجاء وفي البحر أنه لم يختلف في أنه جبل بالشام وتعقبه الشهاب بأنه خلاف المشهور فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة وسينين قيل اسم للبقعة التي فيها الجبل أضيف إليه الطور ويعامل في الإعراب معاملة بيرون ونحوه فيعرب بالواو والياء ويقر على الياء وتحرك النون بحركات الإعراب وقال الأخفش سينين جمع بمعنى شجر واحدته سينة فكأنه قيل طور الأشجار وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس أنه قال سينين هو الحسن وأخرج عبد بن حميد نحوه عن الضحاك وكذلك أخرج هو وجماعة عن عكرمة بزيادة بلسان الحبشة وأخرج هو أيضا وابن جرير وابن عساكر وغيرهما عن قتادة أنه قال سينين مبارك حسن ذو شجر والإضافة على ما ذكر من إضافة الصفة إلى الموصوف وأما التين والزيتون فروي جماعة عن قتادة أن الأول منهما الجبل الذي عليه دمشق والثاني الجبل الذي عليه بيت المقدس ويقال على ما أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن أبي حبيب الحرث بن محمد للأول تينا وللثاني زيتا وذلك لأنهما منبتا التين والزيتون وكان الكلام على هذا إما على حذف مضاف أو على التجوز بأن يكون قد تجوز بالتين والزيتون عن منبتيهما وشاع ذلك وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الله الفارسي أن التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس ولعل إطلاقهما عليهما لأن فيهما شجرا من جنسهما وعن كعب الأحبار أنهما دمشق وإيلياء بلد بيت المقدس وكأن تسميتها بذلك من تسمية المحل باسم الحال فيه وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد ن كعب أنهما

الصفحة 173