كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
كالفرد بهذا الاعتبار كأنه قيل والأرض التي باركنا فيها دينا ودنيا إلا آمن من دخله في الدارين وذلك بركة يتضاءل دونها كل بركة ويتضمن ذلك أن شرف تلك البقاع بمناجاة موسى عليه السلام ربه عز و جل أياما معدودة وكم نوجيت في البلد الأمين ثم قال والحمل على الظاهر أريد المنابت أو الشجر إن يفوته المناسبة بين الأولين والبلد الأمين لأن مناسبة طور سينين للبلد غير مناسبته لهما والكلام مسوق للأول فتأمل فإنه دقيق وأياما كان فجواب القسم قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان الخ وأريد بالإنسان الجنس فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني واستدل عليه بصحة الأستتناء وإن الأصل فيه الأتصال وقوله تعالى في أحسن تقويم في موضع الحال من الإنسان أي كائنا في تقويم أحسن تقويم والتقويم التثقيف والتعديل وهو فعل الله عز و جل فمعنى كون الإنسان كائنا في ذلك على ما قيل أنه ملتبس به نظير قولك فلأن في رضا زيد بمعنى أنه مرضي عنه وقال الخفاجي هو مؤول بمعنى القوام أو المقوم وفيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة وما بعدها في موضع المفعول المطلق وقد ناب فيه عن المصدر صفته والتقدير قومناه تقويما أحسن تقويم والمراد بذلك جعله على أحسن ما يكون صورة ومعنى فيشمل ماله من انتصاب القامة وحسن الصورة والإحساس وجودة العقل وغير ذلك ومن أمعن نظره في أمره وأجال فكره في دقائق ظاهره وسره رآه كما قال بعض الأجلة مجمع مجري الغيب والشهادة ومطلع نيري فلكي الأففادة والأستفادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفا وسائر المتون والشارح بطور طروس العجائب الإلهية المودعة فيه لما كان وسيكون وظهر له صدق ما قيل ونسب لعلي كرم الله تعالى وجهه دواؤك فيك ولا تشعر
وداؤك منك وما تصبر وتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر ومما يدل على أحسنية تقويمه أن الله تعالى رسم فيه من الصفات ما تذكره صفاته عز و جل وتدله عليها فجعله عالما مريدا قادرا إلى غير ذلك وقال تعالى تخلقوا بأخلاق لئلا يتوهم أن ما للسيد على العبد حرام ويكفي في هذا الباب وهو القول الفصل إن الله تعالى خلقه بيديه وأمر سبحانه ملائكته عليهم السلام بالسجود له وهم المكرمون لديه وجاء أن الله تعالى خلق آدم على صورته وفي رواية على صورة الرحمن وهي تأبى احتمال عود الضمير على آدم على معنى خلقه غير متنقل في الأطوار كبنيه ولكونه النسخة الجامعة قال يحيى ابن معاذ الرازي من عرف نفسه فقد عرف ربه والناس يزعمونه حديثا وليس كما قال التووي بثابت وعن يحيى بن أكثم وبعض الحنفية أنهما أفتيا من قال لزوجته إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق بعدم وقوع الطلاق واستدلا بهذه الآية في قصة مشهورة وللشعراء في تفضيل معشوقهم على القمر ليلة تمه ما يضيق عنه نطاق الحصر والحق أن الفرق مثل الصبح ظاهر وثم في قوله تعالى ثم رددناه أسفل سافلين للتراخي الزماني أو الرتبي والرد إما بمعنى الجعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله فرد شعورهن السود بيضا
ورد وجوههن البيض سودا فأسفل مفعول ثان له هنا والمعنى ثم جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل خلقا وتركيبا لعدم جريه على ما خلقناه عليه من الصفات وجوز أن يكون المراد بالرد