كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

ابن الزبير الذي علم الخط بالقلم حيث صرح فيها بذلك وقال ولجبائي أن اقرأ الأول أمر بالقراءة لنفسه وقيل مطلقا والثاني أمر بالقراءة للتبليغ وقيل في الصلاة المشار إليها فيما بعد وجملة وربك الخ تحتمل الحالية والأستثنافية وحاصل المعنى على إرادة القراءة للتبليغ في قول بلغ قومك وربك الأكرم الذي يثيبك على عملك بما يقتضيه كرمه ويقويك على حفظ القرآن لتبليغه وأولى الأوجه وأظهرها التأكيد وأبعد بعضهم جدا فزعم أن بسم في البسملة متعلق باقرأ وباسم ربك متعلق باقرأ الثاني ليفيد التقديم اختصاص اسم الله تعالى بالإبتداء وجوز أيضا أن يبقى باسم الله على ما هو المشهور فيه وإقرأ أمر بأحدث القراءة وباسم ربك متعلق باقرأ الثاني لذلك ولا يخفى أن الظاهر تعلق باسم ربك بما عنده وتقديم الفعل ههنا أوقع لأن السورة المذكورة على ما سبق من التصحيح أول سورة نزلت فالقراءة فيها أهم نظرا للمقام وقيل أنه لو سلم كون غيرها نازلا قبلها لا يضر في حسن تقديم الفعل لأن المعنى كما سمعت عن قتادة اقرأ مفتتحا باسم ربك أي قل باسم الله ثم اقرأ فلو افتتح بغير البسملة لم يكن ممتثلا فضلا عن أن يفتتح بما يضادها من أسماء الأصنام ولو قدم أفاد معنى آخر وهو أن ألمطلوب عند القراءة أن يكون الأفتتاح باسم الله تعالى لا باسم الأصنام ولا تكون القراءة في نفسها مطلوبة لما علم أن مقتضى التقديم أن يكون أصل الفعل مسلما على ما هو عليه من زمان طلبا كان أو خبرا وأجاب من علق الجار بالثاني بأن مطلوبية القراءة في نفسها استفيدت من اقرأ الأول فلا تغفل والظاهر أن المعلم غير معين وقيل هو كل نبي كتب وقال الضحاك هو إدويس عليه السلام وهو أول من خط وقال كعب هو آدم عليه السلام وهو أول من كتب وقد نسبوا لآدم وأدريس عليهما السلام نقوشا مخصوصة في كتابة حروف الهجاء والذي يغلب على الظن عدم صحة ذلك وقد أدمج سبحانه وتعالى التنبيه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة ونيل الرتب الفخيمة ولولاه لم يقم دين ولم يصلح عيش ولو لم يكن على دقيق حكمة الله تعالى ولطيف تدبيره سبحانه دليل إلا أمر القلم والخط لكفى به وقد قيل فيه لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
وأرى الجني اشتارته أيد عواسل ومما نسبه الزمخشري في ذلك لبعضهم وعنى على ما قيل نفسه ورواقم رقش كمثل أراقم
قطف الخطى نيالة أقصى المدى سود القوائم ما يجد مسيرها
إلا إذا لعبت بها بيض المدى ولهم في هذا الباب كلام فصل يضيق عنه الكتاب وظاهر الآثار أن الكتابة في الأمم غير العرب قديمة وفيهم حادثة لا سيما في أهل الحجاز وذكر غير واحد أن الكتابة نقلت إليهم من أهل الحيرة وأنهم أخذوا من أهل الأنبار وذكر الكلبي والهيثم بن عدي أن الناقل للخط العربي من العراق إلى الحجاز حرب ابن أمية وكان قد قدم الحيرة فعاد إلى مكة به وأنه قيل لابنه أبي سفيان ممن أخذ أبوك هذا الخط فقال من أسلم بن أسدرة وقال سألت أسلم ممن أخذت هذا الخط فقال من واضعه مرامر بن مرة كان لحمير كتابة يسمونها المسند منفصلة غير متصلة وكان لها شأن عندهم فلا يتعاطاها إلا من إذن له تعلمها وأصناف الكتابة كثيرة وزعم بعضهم أن جل كتابات الأمم اثنا عشر صنفا العربية والحميرية والفارسية والعبرانية واليونانية والرومية والقبطية والبربرية والأندلسية والهندية والصينية والسريانية ولعل هذا أن صح باعتبار الأصول وإلا فالفروع توشك أن لا يحصيها قلم كما لا يخفى والله تعالى أعلم ولم ير بعض العلماء من الأدب وصف غيره تعالى كما يفعله كثير من الناس في رسائلهم فيكتبون إلى فلان الأكرم ومع هذا يعدونه وصفا نازلا ويستهجنونه بالنسبة للملوك ونحوهم من الأكابر وقد يصفون

الصفحة 181