كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

إذا حذف مطلقا ففيه خلاف هل هو العامل أو الفعل وقال الشهاب الحق ما قال أبو حيان لأن المذكور هنا هو المصدر المؤكد لنفسه أو لغيره والذي اختلف فيه النحاة هو المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله
كندلا زريق المال ندل الثعالب
وقوله يا قابل التوب غفرانا مآثم قد
أسلفتها أنا منها خائف وجل فليعرف وقوله تعالى حسابا صفة عطاء بمعنى كافيا على أنه مصدر أقيم مقام الوصف أو بولغ فيه أو هو على تقدير مضاف وهو مأخوذ من قولهم أحسبه الشيء غذا كفاه حتى قال حسبي وقيل على حسب أعمالهم أي مقسطا على قدرها وروي ذلك عن مجاهد وكان المراد مقسطا بعد التضعيف على ذلك فيندفع ما قيل أنه غير مناسب لتضعيف الحسنات ولذا لم يقل وفاقا كما في السابق ودفع أيضا بأن هذا بيان لما هو الأصل لا للجزاء مطلقا وقيل المعنى عطاه مفروغا عن حسابه لا كنعم الدنيا وتعقب بأنه بعيد عن اللفظ مع ما فيه من الإيهام وقرأ ابن قطيب حسابا بفتح الحاء وشد السين قال ابن جني بني فعالا من أفعل كدراك من أدرك فمعناه محسبا أي كافيا ومنع بعضهم مجيء فعالا من الأفعال ودراك من درك فليحرر وقرأ شريح بن يزيد الحمصي وأبو البرهسم بكسر الحاء وشد السين على أن مصدر ككذاب وقرأ ابن عباس حسنا بالنون من الحسن وحكى المهدوي حسبا بفتح الحاء وسكون السين والباء الموحدة نحو قولك حسبك كذا أي كافيك رب السماوات والأرض وما بينهما بدل من لفظ ربك وفي إبداله تعظيم لا يخفى وإيماء على ما قيل إلى ما روي في كتب الصوفية من الحديث القدسي لو لاك لما خلقت الأفلاك وقوله تعالى الرحمن صفة لربك أو لرب السماوات على الأصح عند المحققين من جواز وصف المضاف إلى ذي اللام بالمعروف بها وجوز أن يكون عطف بيان وهل يكون بدلا من لفظ ربك قال في البحر فيه نظر لأن الظاهر أن البدل لا يتكرر وقوله تعالى لا يملكون منه خطابا استئناف مقرر لما أفادته الربوبية العامة من غاية العظمة استقلالا له تعالى بما ذكر من الجزاء والعطاء من غير أن يكون لأحد قدرة عليه والقراءة كذلك مروية عن عبد الله وابن أبي إسحاق والأعمش وابن محيصن وابن عامر وعاصم وقرأ العرج وأبو جعفر وشيبة وأبو عمرو والحرميان برفع الأسمين فقيل على أنهما خبران لمبتدأ مضمر أي هو رب السماوات الخ وقيل الأول هو الخبر والثاني صفة له أو عطف بيمن وقيل الأول مبتدأ والثاني خبره ولا يملكون منه خبر آخر أو هو الخبر والثاني نعت للأول أو عطف بيان وقيل لا يملكون حال لازمة وقيل الأول مبتدأ أول والثاني مبتدأ ثان ولا يملكون خبره والجملة خبر للأول وحصل الربط بتكرير المبتدأ بمعناه على رأي من يقول به واختير أن يكون كلاهما مرفوعا على المدح أو يكون الثاني صفة للأول ولا يملكون استئنافا على حاله لما في ذلك من توافق القراءتين معنى وقرأ الأخوان والحسن وابن وثاب والأعمش وابن محيصن بخلاف عنهما بجر الأول على ما سمعت ورفع الثاني على البتداء والخبر ما بعده أو على أنه خبر لمبتدأ مضمر وما بعده استئناف أو خبر ثان وضمير لا يملكون لأهل السماوات والأرض ومنه بيان لخطاب مقدم عليه أي لا يملكون أن يخاطبوه تعالى من تلقاء أنفسهم كما ينبيء عنه لفظ الكلك خطابا ما في شيء ما والمراد نفي قدرتهم على أن يخاطبوه عز و جل بشيء من نقص العذاب أو زيادة الثواب من غير إذنه تعالى على أبلغ وجه وآكده وجوز أن يكون منه صلة يملكون ومن ابتدائية والمعنى لا يملكون من الله تعالى خطابا واحدا أي لا يملكهم الله تعالى ذلك فلا يكون في أيديهم خطاب يتصرفون فيه تصرف الملاك فيزيدون في الثواب أو ينقصون من العقاب وهذا كما تقول ملكت منه درهما وهو أقل تكلفا وأظهر منه حالا من خطابا مقدما وإضمار مضاف أي خطابا

الصفحة 19