كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
ابن حجر في شرح البخاري أنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا بل حكى بعضهم الإجماع عليه نعم لا يبعد القول بأن السفرة هناك نجموه لجبريل عليه السلام في الليالي المذكورة وأجاب السيد عيسى الصفوي بأنه محذور في ذلك بناء على جواز مثل أتكلم مخبرا به عن التكلم بقولك أتكلم وفي ذلك اختلاف بين الدواني وغيره ذكره في رسالته التي ألفها في الجواب عن مسئلة الحذر الأصم أو يقال يرجع الضمير للقرآن باعتبار جملته وقطع النظر عن أجزائه فيخبر عن الجملة بأنا أنزلناه وأن كان من جملته أنا أنزلناه وإن كان من جملته أنا أنزلناه المندرج في جملته من غير نظير له بخصوصه وقد ذكروا أن الجزء من حيث من هو مستقل مغاير له من حيث هو في ضمن الكل وفي الإتقان عن أبي شامة فإن قلت أنا أنزلناه أن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة فما نزل جملة وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة قلت لها وجهان أحدهما أن يكون المعنى أنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضينا به وقدرناه في الأزل والثاني أن لفظ أنزلناه ماض ومعناه على الأستقبال أي تنزله جملة في ليلة القدر انتهى ولم يظهر لي في كلا وجهيه رحمه الله تعالى شامة حسن فأجل في ذلك نظرا فلعلك ترى وقيل المعنى أنا أنزلناه في فضل ليلة القدر أو في شأنها وحقها فالكلام على تقدير مضاف أو الظرفية مجازية كما في قول عمر رضي الله تعالى عنه خشيت أن ينزل في قرآن وقول عائشة رضي الله تعالى عنها لا أنا أحقر في نفسي من أن ينزل في قرآن وجعل بعضهم في ذلك للسببية والضمير قيل للقرآن بالمعنى الدائر بين الكل والجزء وقيل بمعنى السورة ولا يأباه كون أنا أنزلناه فيها لما مر آنفا فلا حاجة إلى أن يقال المراد بها ما عدا أنا أنزلناه في ليلة القدر وقيل يجوز أن يراد به المجموع لاشتماله على ذلك وأيا ما كان فحمل الآية على هذا المعنى غير معول عليه وإنما المعول عليه ما تقدم والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة أو إثباته لدى السفرة هناك أو نحو ذلك مما لا يشكل نسبته إلى القرآن واختلفوا في تلك الليلة فقيل أنها لخبر في ذلك وهو كما قال الكرماني غلط لأن آخر الخبز يرده والمراد برفع تعيينها فيه وعن عكرمة أنها ليلة النصف من شعبان وهو قول شاذ غريب كما في تحفة المحتاج وظاهر ما هنا مع ظاهر قوله تعالى شهر رمضان أنزل فيه القرآن يرده وعن ابن مسعود أنها تنتقل في ليالي السنة فتكون في كل سنة في ليلة ونسبه النووي إلى أبي حنيفة وصاحبيه والأكثرون على أنها في شهر رمضان فعن ابن رزين أنها الليلة الأولى منه وعن الحسن البصري السابعة عشر لأن وقعة بدر كانت في صبيحتها وحكى عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضا وعن أنس مرفوعا التاسعة وحكى مرفوعا على ابن مسعود أيضا وعن محمد بن إسحاق الحادية العشرون لما في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن سعيد الخدري أنه عليه الصلاة و السلام قال قد رأيت هذه الليلة يعني ليلة القدر ثم نسيتها وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين قال أبو سعيد فمطرت السماء من تلك الليلة فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله وعلى جبهته وأنفه أثر الماء الطين من صبيحة إحدى وعشرين وفي مسلم من صبيحة ثلاث وعشرين ومنه مع ما قبله مال الشافعي عليه الرحمة إلى أنها الليلة الحادية أو الثالثة والعشرون وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن أنيس أنه سئل عن ليلة القدر فقال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول التمسوها الليلة ليلة ثلاث وعشرين وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وغيرهم عن بلال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة القدر ليلة أربع وعشرين وفي الأتقان وغيره أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر أنه سئل عن ليلة القدر فقال كان عمر وحذيفة من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين وأخرج ابن نصر وابن جرير في تهذيبه عن معاوية قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم التمسوا ليلة القدر