كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
في آخر ليلة من رمضان وفي رواية أحمد عن أبي هريرة مرفوعا أنها آخر ليلة وقيل هي في العشر الأوسط تنتقل فيه قيل في أوتاره وقيل في أشفاعه وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان وفي حديث أخرجه أحمد وجماعة عن عبادة بن الصامت مرفوعا وحديثين أخرجهما ابن جرير وغيره عن جابر ابن سمرة وعن عبد الله بن جابر كذلك ما يدل على ما ذكر أيضا بل الأخبار الصحيحة الدالة عليه كثيرة وبالجملة الأقوال فيها مختلفة جدا إلا أن الأكثرين على أنها في العشر الأواخر لكثرة الأحاديث الصحيحة في ذلك وأكثرهم على أنها أوتارها لذلك وكثير منهم ذهب إلى أنها الليلة السابعة من تلك الأوتار وصح من رواية الإمام أحمد ومسلم وأبي داود الترمذي والنسائي وابن حبان وغيرهم أن زر بن حبيش سأل أبي كعب عنها فخلق لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين فقال له بم تقول ذلك يا أبا المنذر فقال بالآية والعلامة التي قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنها تصبح من ذلك اليوم تطلع الشمس ليس لها شعاع وبعض الأخبار عن ابن عباس ظاهرة في ذلك وفي بعضها الأستئناس له بما يدل على جلالة شأن السبعة التي قالوا فيها أنها عدد تام من كون السماوات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا والجمار سبعا والطواف بالبيت سبعا السجود على سبع إلى غير ذلك مما ذكره لما علمت من الأخبار الصحيحة المتظافرة وهو زمان البدن وفيه يزيد أجر العمل ووقت قوة الأستعداد للتجليات لمزيد التصفية وأنها في الأوتار أرجى للأحاديث أيضا مع أن الله تعالى وتر يحب الوتر وقال ابن حجر الهيتي أختار جمع أنها لا تلزم ليلة بعينها من العشر الأواخر بل تنتقل في لياليه فعاما أو أعواما تكون وترا إحدى أو ثلاثا أو غيرهما وعاما أو أعواما شفعا اثنتين أو أربعا أو غيرهما قالوا ولا تجتمع الأحاديث المتعارضة فيها إلا بذلك وكلام الشافعي رضي الله تعالى عنه في الجمع بين الأحاديث يقتضيه انتهى ولا يخفى أن الجمع بذلك بين الأحاديث المتعارضة فيها مطلقا مما لا يتسنى وإنما يتسنى الجمع بذلك بين الأحاديث المتعارضة فيها بالنظر إلى العشر وقيل في الجمع مطلقا أنها تنتقل وما صح من التعيين في الجملة أو على التحقيق محمول على ليلة قدر في شهر رمضان مخصوص بأن يكون قد علم صلى الله تعالى عليه وسلم أنها في أول شهر رمضان فرض ليلة كذا فقال عليه الصلاة و السلام هي ليلة كذا أي في هذا الشهر رمضان المخصوص وعلم عليه الصلاة و السلام أنها في شهر رمضان بعده ليلة كذا غير تلك الليلة التي ذكرها قبل فقال صلى الله تعالى عليه وسلم هي ليلة كذا وعلم صلى الله تعالى عليه وسلم أنها في أخر في العشر الأخير منه فقال هي في العشر الأخير أي من هذا الشهر المخصوص وهكذا وهو كما ترى وعلى القول بانتقالها ادعى بعضهم أنه إذا كان أول الشهر ليلة كذا فهي الليلة السابعة والعشرون وأن كانت ليلة كذا فهي الليلة الحادية والعشرون إلى آخر ما قال وقد ذكرناه مع نظمه في الطراز المذهب وليس في ذلك ما يقوم حجة على الغير وفي بعض الأخبار ذكر علامات لها ففي حديث الإمام أحمد والبيهقي وغيرهما عن عبادة بن الصامت من إماراتها أنها ليلة بلجة صافية ساكنة لا حارة ولا باردة كأن فيها قمرا ساطعا لا يرمى فيها بنجم حتى الصباح وأخرج نحوا منه ابن جرير في تهذيبه وابن مردويه عن جابر بن عبد الله مرفوعا وحمل ذلك أن صح على ليلة قدر من شهر رمضان مخصوص كالمتعين لعدم إطراده ولا أغلبيته فيما يظهر والحكمة في إخفائها أن يجتهد من يطلبها في العبادة في غيرها ليصادفها كأن يحيى ليالي شهر رمضان كلها كما كان دأب السلف وللإمام في هذا المقام كلام يجل مثله عن التكلم ولعمري لقدسها فيه سهوا بينا وأتى فيه يوشك أن يدل على جهله ومعنى ليلة القدر ليلة التقدير وسميت بذلك لما روي عن ابن عباس وغيره أنه يقدر