كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
تعالى سلام وهو مصدر بمعنى السلامة خبر مقدم وقوله تعالى هي مبتدأ أي هي سلام من كل أمر مخوف وتعلقه بذلك على التوسع في الظرف وإلا فمعمول المصدر لا يتقدم عليه في المشهور وقيل هو متعلق بمحذوف مقدم يفسره المذكور من وقف على كلام العلامة التفتازاني في أوائل شرح التلخيص في مثل ذلك استغنى عماد ذكر وقيل من كل أمر متعلق بتنزل لكن على معنى تنزل إلى الأرض منفصلة من كل أمر لها في السماء وتاركة له فيه إشارة إلى مزيد الأهتمام بالتنزل إلى الأرض وفيه من البعد ما فيه وتقديم الخبر للحصر كما في تميمي أنا والأخبار بالمصدر للمبالغة أي ما هي إلا سالمة جدا حتى كأنها عين السلامة قال الضحاك في معنى ذلك أنه تعالى لا يقدر ولا يقضي فيها إلا السلامة قيل أي لا ينفذ تقديره تعالى ويتعلق قضاؤه إلا بذلك وحاصله لا يوجد إلا ذلك وقال مجاهد أنها سالمة من الشيطان وأذاه وروي أن الشيطان لا يخرج في ليلة القدر حتى يضيء فجرها ولا يستطيع أن يصيب فيها أحدا بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد ولا ينفذ فيها سحر ساحر ولعل ما يصدر من المعاصي على هذا من النفس الأمارة بالسوء لا بواسطة الشيطان واستشكل كلام الضحاك بناء على ما قيل فيه بأنه لا تخلوا ليلة من الشر والأمر المخوف ولا موجد إلا الله عز و جل فلعله أراد ما تقدم نقله غير بعيد من أن الله تعالى إنما يقدر في هذه الليلة السلامة والخير أي لا يظهر سبحانه للملائكة عليهم السلام إلا تقديره عز و جل ذلك وقيل ما هي إلا سلامة على نحو ما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلا رحمة والمراد أنها سبب تام للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة حيث أن من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وقيل السلام مصدر بمعنى التسليم أي ما هي إلا تسليم لكثرة التسليم والمسلمين من الملائكة على المؤمنين فيها وروي ذلك عن الشعبي ومنصور وجعلها عين التسليم للمبالغة أيضا وقوله تعالى حتى مطلع الفجر غاية تبين تعميم السلامة أو التسليم كل الليلة فالجار متعلق بسلام ومطلع اسم زمان وقد صرحوا أنه من يفعل ويفعل بفتح العين وضمها على مفعل مفتوح العين وجوز كونه مصدرا ميميا بمعنى الطلوع ويحتاج إلى تقدير مضاف قبله هو وقت أو ما في معناه لتتحد الغاية والمغيا فيكونان من جنس واحد وصح تعلق الجار بذلك مع الفصل لأنه ليس بمصدر نظرا للحقيقة وأفاد الطبرسي وغيره أنه لا بد من تأويله بسالمة أو مسلمة ليصح التعلق أما لو أبقى على مصدريته فلا يصح للزوم الفصل بين الصلة والموصول وذهب بعضهم إلى أن الفصل بين المصدر ومعموله بالمبتدأ مغتفر وجوز أن تتعلق الغاية يتنزل على معنى أنه لا ينقطع تنزلهم فوجا بعد فوج إلى وقت طلوع الفجر وتعقب بأنه تعسف لأن سلام هي أجنبي وليس باعتراض فلا يحسن الفصل به وجعله حالا من الضمير المجرور في قوله تعالى فيها أي ذات سلامة أو سلام لا يخفى حاله وقيل يجوز أن يكون الوقف على سلام وهو خبر لمحذوف ومن كل أمر متعلق به وهي مبتدأ وحتى مطلع الفجر خبره ولم يجوز ذلك الطيبي والطبرسي وغيرهما قالوا لعدم الفائدة بالإخبار عنها بأنها حتى مطلع الفجر إذ كل ليلة بهذه الصفة وأجيب بأنه لما أخبر عنها بأنها خير من ألف شهر وفهم أنها مخالفة لسائر الليالي في الصفة وكان مظنة توهم أن ذاتها في المقدار مغايرة لذوات الليالي فيه أيضا دفع ذلك بقوله تعالى هي حتى مطلع الفجر أي لم تخالف سائر الليالي في ذلك وإن خالفتها في الفضل والخيرية وقرأ ابن عباس وعكرمة والكلبي من كل امريء بهمز في آخره أي تنزل من أجل كل إنسان أي من أجل ما يتعلق به مما قدر في تلك الليلة ويرجع إلى نحو ما تقدم أو من أجل مصلحته من الأستغفار له ونحوه على أن المراد بذلك كل امريء مؤمن على ما قيل وقيل الجار والمجرور متعلق بسلام والمراد بكل امريء الملائكة عليهم السلام أي سلام وتحتية هي على المؤمنين من كل ملك وأنكر كما قال ابن جني هذه القراءة أبو حاتم وقرأ أبو رجاء والأعمش وابن وثاب وطلحة وابن