كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

مجازا عن وحيه إياها غير وجيه والأولى حمل الرسول على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو المروي عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما وقد اختلفوا في المعنى المراد بالآية اختلافا كثيرا حتى قال الواحدي في كتاب البسيط أنها من أصعب ما في القرآن نظما وتفسيرا وبين ذلك بناء على أن الكفر وصف لكل من الفريقين قبل البعثة بأن الظاهر أن المعنى لم يكن الذين كفروا من الفريقين منفكين عما هم عليه من الكفر حتى يأتيهم الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وحتى لأنتهاء الغاية فتقتضي أنهم انفكوا عن كفرهم عند إتيان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وهو خلاف الواقع ويناقضه قوله تعالى وما تفرق الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جآءتهم البينة فإنه ظاهر في أن كفرهم قد زاد عند ذلك فقال جار الله كان الكفار من الفريقين يقولون قبل المبعث لا ننفك عما نحن فيه من ديننا حتى يبعث الله تعالى النبي الموعود الذي هو مكتوب في التوراة والإنجيل وهو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فحكى الله تعالى ما كانوا يقولونه ثم قال سبحانه وما تفرق الخ يعني أنهم كانوا يعدون اجتماع الكلمة والإتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول ثم ما فرقهم عن الحق وأقرهم على الكفر إلا مجيئه ونظيره في الكلام أن يقول الفقير الفاسق لمن يعظه لست بمنفك مما أنا فيه حتى يرزقني الله تعالى الغنى فيرزقه الله عز و جل ذلك فيزداد فسقا وأعظه لم تكن منفكا عن الفسق حتى توسر وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار يذكره ما كان يقوله توبيخا وإلزاما وحاصله أن الأول من باب الحكاية لزعمهم وقوله سبحانه وما تفرق الخ إلزام عليهم حكى الله تعالى كلامهم على سبيل التوبيخ والتعبير فقال هذا هو الثمرة وظاهره أنه أراد بتفرقهم تفرقهم عن الحق وحمل على على الكفر والباطل لاستلزامه إياه وعدم التعرض للمشركين في قوله تعالى وما نفرق الخ لعلم حالهم من حال الذين أوتوا الكتاب بالأولى وقيل وهو قريب من ذاك من وجه وفيه إيضاح له من وجه أي لم يكونوا منفكين عما كانوا عليه من الوعد باتباع الحق والإيمان بالرسول المبعوث في آخر الزمان إلى إلى أن أتاهم ما جعلوه ميقاتا والأتفاق فاجعلوه ميقاتا للأنفكاك والأفتراق كما قال سبحانه وما تفرق الخ وفي التعبير بمنفكين إشارة إلى وكادة وعدهم وهو من أهل الكتاب مشهور حتى أنهم كانوا يستفتحون ويقولون اللهم افتح علينا وانصرنا بالنبي في آخر الزمان ويقولون لأعدائهم من المشركين وقد أظل زمان نبي يخرج بتصديق ما قلنا قنقتلكم معه قتل عاد وإرم ومن المشركين لعله وقع من متأخرهم بعد ما شاع من أهل الكتاب واعتقدوا صحته مما شاهدوا مثلا من بعض من يوثق به بينهم من قومهم كزيد بن عمرو بن نفيل فقد كان يتطلب نبيا من العرب ويقول قد أظل زمانه وأنه من قريش بل من بني هاشم بل من بني عبد المطلب ويشهد لذلك أنهم قبيل بعثته عليه الصلاة و السلام سمى منهم غير واحد ولده بمحمد رجاء أن يكون النبي المبعوث والله أعلم حيث يجعل رسالته والتعبير عن إتيانه بصيغة المضارع حال المحكي لا باعتبار حال الحكاية كما في قوله تعالى واتبعوا ما تتلوا الشياطين أي تلت وقوله تعالى وما تفرق الخ كلام مسوق لمزيد التشنيع على أهل الكتاب خاصة ببيان أن ما نسب إليهم من الإنفكاك لم يكن لاشتباه في الأمر بل بعد وضوح الحق وتبين الحال وانقطاع الأعذار بالكلية وهو السر في وصفهم بإيتاء الكتاب المنبيء عن كمال تمكنهم من مطالعته والإحاطة بما في تضاعيفه من الأعحكام والأخبار التي من جملتها ما يتعلق بالنبي عليه الصلاة و السلام وصحة بعثته بعد ذكرهم فيما سبق بما هو جار مجرى اسم الجنس للطائفتين ولما كان هؤلاء والمشركون باعتبار اتفاقهم على الرأي المذكور في حكم فريق واحد عبر عما صدر منهم عقيب الأتفاق عند الأخبار بوقوعه بالأنفكاك وعند بيان كيفية وقوعه بالتفرق اعتبار الأستقلال كل من

الصفحة 202