كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

قومي الذين صبحوا الصباحا
يوم النخيل غارة ملحاحا فأثرن به من الإثارة وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه والأصل أثورن نقلت حركة الواو إلى ما قبلها وقلبت ألفا وحذفت لاجتماع الساكنين والفعل عطف على الأسم قبله وهو العاديات أو ما بعده لأنه إسم فاعل وهو في معنى الفعل خصوصا إذا وقع صلة فكأنه قيل فاللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن ولا شذوذ في مثله لأن الفعل تابع فلا يلزم دخول أل عليه ولا حاجة إلى أن يقال هو معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه والحكمة في مجيء هذا فعلا بعد اسم فاعل على ما قال ابن المنير تصوير هذه الأفعال في النفس فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الأسم لما بينهما من التخالف وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة وكذلك التصوير بالمضارع وبعد المضارع كقول ابن معد يكرب بأني قد لقيت الغول يهوى
بشهب كالصحيفة صحصحان فآخذه فأضربه فخرت
صريعا لليدين وللجران وخص هذا المقام من الفائدة على ما قال الطيبي أن الخيل وصف بالأوصاف الثلاثة ليرتب عليها ما قصد من الظفر بالفتح فجيء بهذا الفعل الماضي وما بعده مسببين عن أسماء الفاعلين فأفاد ذلك أن تلك المداومة أنتجت هاتين البغيتين ويفهم منه أن الفاء لتفريع ما بعدها عما قبلها وجعله مسببا عنه وسيأتي الكلام فيها قريبا إن شاء الله تعالى وضمير به للصبح والباء ظرفية أي فهيجن في ذلك الوقت نقعا غبارا وتخصيص آثاره بالصبح لأنه لا يثور أولا يظهر ثورانه بالليل وبهذا يظهر أن الإيراد الذي لا يظهر في النهار واقع في الليل وفي ذكر إثارة الغبار إشارة بلا غبار إلى شدة العدو وكثرة الكر والفر وكثيرا ما يشيرون به إلى ذلك ومنه قول ابن رواحة عدمت بنيتي أن لم تروها
تثير النقع من كنفي كداء وقال أبو عبيدة النقع رفع الصوت ومنه قول لبيد فمتى ينقع صراخ صادق
يحلبوه ذات جرس وزجل وقول عمر رض عنه وقد قيل له يوم توفي خالد بن الوليد أن النساء قد اجتمعن يبكين على خالد ما على نساء بني المغيرة أن يسفكن على أبي سليمان دموعهن وهن جلوس ما لم يكن نقع ولا لقلقة والمعنى عليه فيهجين في ذلك الوقت صباح وهو صياك من هجم عليه وأوقع به والمشهور المعنى الأول وجوز كون ضمير به للعدو الدال عليه العاديات أو للأغارة الدال عليها المغيرات والتذكير لتأويلها بالجري ونحوه والباء للسببية أو للملابسة وجوز كونها ظرفية أيضا والضمير للمكان الدال عليه السياق والأول أظهر وألطف ومثله به في قوله عز و جل فوسطن به أي فتوسطن في ذلك الوقت جمعا من جموع الأعداء وجوز فيه وفي بائه نحو ما تقدم في به قبله وجوز أيضا كون الضمير للنقع والباء للملابسة أي فتوسطن ملتبسات بالنقع جمعا أو هي على ما قيل للتعدية أن أريد أنها وسطت الغبار والفاآت كما في الإرشاد للدلالة على ترتيب ما بعد كل منها على ما قبله فتوسط الجمع مترتب على الإثارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة فأثرن وفوسطن بتشديد الثاء والسين وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى الأول كالجمهور والثاني كذين والمعنى على تشديد الأول فأظهرن به غبارا لأن التأثير فيه معنى الإظهار وعلى التشديد الثاني على نحو ما تقدم فقد نقلوا أن وسط مخففا بمعنى واحد وأنهما لغتان وقال ابن جني المعنى ميزن به جمعا أي

الصفحة 216