كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

وورد بهذا المعنى فى القرآن هو المال وخصه بعضهم بالمال الكثير وفسر به فى قوله تعالى ان ترك خيرا الوصية واطلاق كونه خيرا باعتبار مايراه الناس والا فمنه ماهو الشر يوم القيامة واللام للتعليل أى أنه لاجل حب المال لشديد أى لبخيل كما قيل وكما يقال للبخيل شديد يقال له متشدد كما فى قول طرفة أرى الموت يعترى الكرام ويصطفى
عقيلة مال الفاحش المتشدد وشديد فيه يجوز أن يكون بمعنى مفعول كأن البخيل شد عن الافضال ويجوز أن يكون بمعنى فاعل كانه شد صرته فلا يخرج منها شيئا وجوز غير واحد ان يراد بالشديد القوى ولعله الاظهر وكان اللام عليه بمعنى فى أى وانه لقوى مبالغ فى حب المال والمراد قوة حبه له وقال الزمخشرى المعنى وانه لحب المال وايثار الدنيا وطلبها قوى مطيق وهو لحب عبادة الله تعالى وشكر نعمته سبحانه ضعيف متقاعس تقول هو شديد لهذا الامر وقوى له اذا كان مطيقا له ضابط وجعل النيسابورى اللام على هذا التعليل وليس بظاهر فتأمل وقال الفراء يجوز ان يكون المعنى وانه لحب الخير لشديد الحب يعنى انه يحب المال ويحب كونه محبا له الا أنه اكتفى بالحب الاول عن الثانى كما قال تعالى اشتدت به الريح فى يوم عاصف أى فى يوم عاصف الريح فاكتفى بالاولى عن الثانية وقال قطرب أى انه شديد لحب الخير كقولك فى انه لزيد ضروب فى انه ضروب لزيد وظاهر التمثيل انه اعتبر حب الخير مفعولا به لشديد وان شديد اسم الفاعل جىء به على فعيل للمبالغة وان اللام فى لحب للتقوية وفيه مافيه وقيل يجوز أن يعتبر أن شديدا صفة مشبهة كانت مضاففة الى مرفوعها وهو حب المضاف الى الخير اضافة المصدر الى مفعوله ثم حول الاسناد وانتصب المرفوع على التشبيه بالمفعول به ثم قدم وجر باللام وفيه مع قطع النظر عن التكلف أن تقدم معمول الصفة عليها لايجوز وكونه مجرورا فى مثل ذلك لايجدى نفعا اذ ليس هو فيه نحو زيد بك فرح كما لايخفى ويفهم من كلام الزمخشرى فى الكشاف جواز أن يراد به ماهو عنده تعالى من الطاعات عاى أن المعنى انه لحب الخيرات غير هش منبسط ولكنه شديد منقبض وقوله تعالى أفلا يعلم اذا بعثر مافى القبور الخ تهديد ووعيد والهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ومفعول يعلم محذوف وهو العامل فى اذا وهى ظرفية أى أيفعل مايفعل من القبائح أو ألا يلاحظ فلا يعلم الآن مآله اذا بعثر من فى القبور من الموتى وايراد مالكونهم اذ ذاك بمعزل من رتبة العقلاء وقال الحوفى العامل فى اذا الظرفية يعلم وأورد عليه أنه لايراد منه فى ذلك الوقت بل العلم فى الدنيا وأجيب بأن هذا انما يرد اذا كان ضمير يعلم راجعا الى الانسان وذلك غير لازم على هذا القول لجواز أن يرجع اليه عز و جل ويكون مفعولا يعلم محذوفين والتقدير أفلا يعلمهم الله تعالى عاملين بما عملوا اذا بعثر على أن يكون العلم كناية عن المجازاة والمعنى أفلا يجازيهم اذا بعثر ويكون الجملة المؤكدة بعد تحقيقا وتقرير لهذا المعنى وهو كما ترى وقيل ان اذا مفعول به ليعلم على معنى أفلا يعلم ذلك الوقت ويعرف تحققه وقل ان العامل فيها يعثر بناء على أنها شرطية غير مضافة قالوا ولم يجوز أن يعمل فيها لخبير لان مابعد ان لايعمل فيما قبلها وأوجه الاوجه ماقدمناه وتعدى العلم اذا كان بمعنى المعرفة لواحد شائع وتقدم تحقيق معنى البعثرة فتذكر 0 وقرأ عبد الله بحثر بالحاء والثاء المثلثة وقرأ الاسود بن زيد بحث بهما بدون راء وقرأ نصر بن عاصم بحثر كقراءة عبد الله لكن بالبناء للفاعل وحصل مافي الصدور أي جمع مافي القلوب من العزائم المصممة وأظهر كاظهار اللب من القشر وجمعه أو ميز خيره من شره فقد استعمل حصل الشىء بمعنى ميزه كما في البحر وأصل التحصيل اخراج اللب من القشر كاخراج الذهب من حجر المعدن

الصفحة 219