كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
صرتم الى المقابر وانتقلتم الى ذكر من فيها فتكاثرتم بالاموات فالغاية داخلة في المغيا وقد تقدم من سبب النزول مايوضح ذلك 0 وعن الكلبي ومقاتل أن بني عبد مناف وبني سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا فكثرتهم بنو عبد مناف فقالت بنو سهم ان البغي أهلكنا في الجاهلية فعادونا بالاحياء والاموات فكثرتهم بنو سهم وزيارة المقابر على ماتقدم على ظاهلها وأما على هذا فقد عبر بها عن بلوغهم ذكر الموتى كناية أو مجازا واستحسن جعله تمثيلا وفي الكشاف عبر ذلك عما ذكر تهكما بهم ووجهه بعض بأنه كانه قيل أنتم في فعلكم هذا كمن يزور القبور من غير غرض صحيح وبعض آخر بأن زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الموت وهم عكسوا فجعلوها سببا للغفلة وهذا أولى والمعنى ألهاكم ذلك وهو لايعنيكم ولا يجدي عليكم في دنياكم وآخرتكم عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعني من كل مهم وحذف الملهى عنه للتعظيم المأخوذ من الابهام بالحذف والمبالغة في الذم حيث أشار الى أن مايلهى مذموم فضلا عن الملهى عن أمر الدين وقيل المراد ألهاكم التكاثر بالاموال والاولاد الى أن متم وقبرتم منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاشتياق اليها والتهالك عليها الى أتاكم اموت لاهم لكم غيرها عما هو أولى بكم من من السعي لعاقبكم والعمل لآخرتكم وصدره قد أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس وهو وابن أبي حاتم 0 وابن أبي شيبة عن الحسن وزيارة المقابر عليه عبارة عن الموت كما قال الشاعر اني رأيت الضمد شئا نكرا
لن يخلص العام خليل عشرا
ذاق الضماد أو يزور القبرا وقال جرير زار القبور أبو مالك
فاصبح ألأم زوارها وفي ذلك اشارة الى تحقق البعث يحكي أن اعرابيا سمع ذلك فقال بعث القوم للقيامة ورب الكعبة فان الزائر منصرف لامقيم وعن عمر بن عبد العزيز انه قال لابد لمن زار أن يرجع الى جنة أو نار وفيه أيضا اشارة الى قصر زمن اللبث في القبور والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع أو لتغلب من مات أولا أو لجعل موت آبائهم بمنزلة موتهم 0 ومما يقضي منه العجب قول أبي مسلم ان الله عز و جل يتكلم بهذه السورة يوم القيامة تعييرا للكفار وهم في ذلك الوقت قد تقدمت منهم زيارة القبور وقيل هذا تأنيب على الاكثار من زيارة القبور تكثرا بمن سلف ومباهاة وتفاخرا به لااتعاظا وتذكرا للآخرة كما هو المشروع ويشير اليه خبر ابي داود نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكركم الآخرة ولايخفى ان الآية بمعزل عن ذلك نعم لاكلام في ذم زيارة القبور للتفاخر بالمزور أو للتباهي بالزيارة كما يفعل كثير من الجهلة المنتسبين الى المتصوفة في زياراتهم لقبور المشايخ عليهم الرحمة هذا مع مالهم فيها من منكرات اعتقدوها طاعات وشنائع اتخذوها شرائع الى أمور تضيق عنها صدور السطور وقرأ ابن عباس وعائشة ومعاوية وأبو عمران الجوني وأبو صالح ومالك بن دينار وأبو الجوزاء وجماعة آلهاكم بالمد على الاستفهام وروى عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه وابن عباس أيضا والشعبي وابي العالية وأبن أبي عبلة والكسائي في رواية أألهاكم بهمزتين والاستفهام للتقرير كلا ردع عن الاشتغال بما لايعنيه عما يعنيه وتنبه على الخطأ فيه لان عاقبته وخيمة سوف تعلمون سوء مغبة ماأنتم عليه اذا عاينتم عاقبته والعلم بمعنى المعرفة المتعدية لواحد ثم كلا سوف تعلمون تكرير للتأكيد وثم للدلالة على أن الثاني أبلغ كما يقول العظيم لعبده أقول لك ثم أقول لك لاتفعل قيل ولكونه أبلغ نزل منزلة المغايرة فعطف والا فالمؤكد لايعطف على المؤكد لما بينهما من شدة الاتصال وأنت تعلم ان المنع هو رأي اللغويين وقد صرح المفسرون والنحاة بخلافه 0 وقال علي ابن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه الاول في القبور والثاني في النشور فلا تكرير والتراخي على ظاهره ولا كلام في العطف وقال الضحاك الزجر الأول ووعيده