كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله تعالى عليه وسلم لأبي بكر وعمرو الذي نفسي بيده لتسئلن عن هذا النعيم يوم القيامة وفي رواية ابن حبان وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وصاحبيه انطلقوا الى منزل أبي أيوب الانصاري فقالت امرأته مرحبا بنبي الله صلى الله تعالى عليه وسام ومن معه فجاء أبو أيوب فقطع عذقا فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ما أردت ان تقطع لنا هذا ألا جنيت من تمره قال أحببت يا رسول الله ان تاكلوا منه تمره وبسره ورطبه ثم ذبح جديا فشوى نصفه وطبخ نصفه فلما وضع بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ من الجدي فجعله في رغيف وقال يا أبا أيوب ابلغ هذا فاطمة رضى الله تعالى عنها فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام فذهب به أبو أيوب الى فاطمة رضى الله تعالى عنها فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خبز ولحم وتمر وبسر ورطب ودمعت عيناه عليه الصلاة و السلام والذي نفسي بيده ان هذا هو النعيم الذي تسئلون عنه قال الله تعالى ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم فهذا النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيامة فكبر ذلك على اصحابه فقال عليه الصلاة و السلام بلى اذا اصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم فقولوا بسم الله فاذا شبعتم فقولوا الحمد لله الذي أشبعنا وأنعم علينا وأفضل فان هذا كفاف بذاك وليس المراد في هذا الخبر حصر النعيم مطلقا فيما ذكر بل حصر النعيم بالنسبة الى ذلك الوقت الذي كانوا فيه جياعا وكذا فيما يصح من الاخبار التى فيها الاقتصار على شيء أو شيئين أو أكثر فكل ذلك من باب التمثيل ببعض أفراد خصت بالذكر لامر اقتضاه الحال ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة و السلام في غير رواية عند ذكر شيء من ذلك هذا من النعيم الذي تسئلون عنه بمن التبعيضية وفي التفسير الكبير الحق الكبير الحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعم سواء كان ما لابد منه أولا لان كل ما يهب الله تعالى يجب أن يكون مصروفا الى طاعته سبحانه لا إلى معصيته عز و جل فيكون السؤال واقعا عن الكل ويؤكده قوله عليه الصلاة و السلام لاتزول قدما العبد حتى يسئل عن أربع عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم ابلاه وعن ماله من اين اكتسبه وفيم انفقه وعن علمه ماذا عمل به لان كل نعيم داخل فيما ذكره عليه الصلاة و السلام ويشكل عليه ماأخرجه عبد الله بن الامام احمد في زوائد الزهد والدليمي عن الحسن قال رسول الله صلى الله تعلى عليه وسلم ثلاث لايحاسب بهن العبد ظل خص يستظل به وكسرة يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته وأجيب بانه ان اصح فالمراد لايناقش الحساب بهن وقيل المراد مايضطر العبد اليه من ذلك لحياته فتامل ورأيت في بعض الكتب أن الطعام الذي يؤكل مع اليتيم لايسئل عنه وكان ذلك لان في الاكل معه جبرا لقلبه وازالة لوحشته فيكون ذلك بمنزلة الشكر فلا يسئل عنه سؤال تقريع وفي القلب من صحة ذلك شىء والله تعالى أعلم
سورة العصر
مكية في قول ابن عباس وابن الزبير والجمهور ومدنية في قول مجاهد وقتادة ومقاتل وآيها ثلاث بلا خلاف وهي على قصرها جمعت من العلوم ما جمعت فقد روى عن الشافعي عليه الرحمة انه قال لو لم ينزل غير هذه السورة لكفت الناس لانها شملت جميع علوم القرآن واخرج الطبراني في الاوسط والبهيقي في الشعب عن ابي حذيفة وكانت له صحبة قال كان الرجلان من اصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة والعصر ثم يسلم أحدهما على الآخر وفيها اشارة الى حال من لم يلهه التكاثر ولذا وضعت بعد سورته بسم الله الرحمن الرحيم والعصر قال مقاتل أقسم سبحانه بصلاة العصر لفضلها لانها الصلاة الوسطى عند الجمهور لقوله عليه الصلاة و السلام شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ولما في مصحف

الصفحة 227