كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

حفصة والصلاة الوسطى صلاة العصر وفي الحديث من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله وروى ان امرأة كانت تصيح في سكك المدينة دلوني على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرآها عليه الصلاة و السلام فسألها ماذا حدث فقالت يا رسول الله ان زوجي غاب فزنيت فجاءني ولد من الزنا فألقيت الولد في دن خل فمات ثم بعت ذلك الخل فهل لي من توبة فقال عليه الصلاة و السلام أما الزنا فعليك الرجم بسببه وأما القتل فجزاؤه جهنم وأما بيع الخل فقد اتكبت كبيرا لكن ظننت أنك تركت صلاة العصر ذكر ذلك الامام وهو لعمري امام في نقل مثل ذلك مما لايعول عليه عند أئمة الحديث فاياك والاقتداء به وخصت بالفضل لان التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم وقيل أقسم عز و جل بوقت تلك الصلاة لفضيلة صلاته أو لخلق آدم أبي البشر عليه السلام فيه من يوم الجمعة والى هذا ذهب قتادة فقد روى عنه أنه قال العصر العشى أقسم سبحانه به كما أقسم بالضحى لما فيها من دلائل القدرة وقال الزجاج العصر اليوم والعصر الليلة وعليه قول حميد بن ثور ولم يلبث العصران يوم وليلة
اذا طلبا أن يدركا ما تيمما وقيل العصر بكرة والعصر عشية وهما الابرادان وعليه وعلى ما قبله يكون القسم بواحد من الامرين غير معين وقيل المراد به عصر النبوة وكأنه عنى به وقت حياته عليه الصلاة و السلام كانه اشرف الاعصار لتشريف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل هو زمان حياته صلى الله تعالى عليه وسلم وما بعده الى يوم القيامة ومقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار ويؤذن بذلك ما رواه البخارى عن سالم ابن عبد الله عن أبيه أنه سمع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يقول انما بقاأكم فيمن سلف قبلكم من الامم كما بين صلاة العصر الى غروب الشمس وشرفه لكونه زمان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته التي هي خير أمة أخرجت للناس ولا يضره تأخيره كما لايضر السنان تأخره عن اطراف مرانه والنور تأخره عن أطراف أغصانه وقال ابن عباس هو الدهر أقسم عز و جل به لاشتماله على أصناف العجائب ولذا قيل له أبو العجب وكانه تعالى يذكر بالقسم به مافيه من النعم وأضدادها لتنبيه الانسان المستعد للخسران والسعادة ويعرض عز و جل لما في الاقسام به من التعظيم بنفي أن يكون له خسران أو دخل فيه كما يزعمه من يضيف الحوادث اليه وفي اضافة الخسران بعد ذلك للانسان اشعار بانه صفة له لا للزمان كما قيل يعيبون الزمان وليس فيه
معايب غير أهل للزمان وتعقب بان استعمال العصر بذلك المعنى غير ظاهر ان الانسان لفي خسر أي خسران في متاجرهم ومساعيهم وصرف أعمارهم في مباغيهم التي لاينتفعون بها في الآخرة بل ربما تضر بهم اذا حلوا الساهره والتعريف للاستغراق بقرينة الاستثناء والتنكير قيل للتعظيم أي في خسر عظيمم ويجوز أن يكون للتنويع أي نوع من الخسر غير مايعرفه الانسان الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فانهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس واشتروا الباقي النفيس واستبدلوا الباقيات واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات فيالها من صفقة ماأربحها ومنفعة جامعة للخير ما أوضحها والمراد بالموصول كل من اتصف بعنوان الصلة لا على كرم الله وجهه وسلمان الفارسي رضى الله تعالى عنه فقط كما يتوهم من اقتصار ابن عباس رضى الله تعالى عنهما في الذكر عليهما بل هما داخلان في ذلك دخولا أوليا ومثل ذلك اقتصاره في الانسان الخاسر على أبي جهل وهو ظاهر وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم وقوله تعالى وتواصو بالحق الخ بيان لتكميلهم

الصفحة 228