كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
لغيرهم أي وصى بعضهم بعضا بالامر الثابت الذي لا سبيل الى انكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من الايمان بالله عز و جل واتباع كتبه ورسله عليهم السلام في كل عقد وعمل وتواصو بالصبر عن المعاصي التي تشتاق اليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها وعلى مايبتلي الله تعالى به عادة من المصائب والصبر المذكور داخل في الحق وذكر بعده مع اعادة الجار والفعل المتعلق هو لابراز كمال العناية به ويجوز ان يكون الاول عبارة رتبة العبادة اتي هي فعل مايرضى الله تعالى والثاني عبارة رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله تعالى فان المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق اليه من فعل أو ترك بل هو تلقي ما ورد منه عز و جل بالجميل والرضا به باطنا وظاهرا وقرأ سلام وهرون وابن موسى عن أبي عمرو والعصر بكسر الصاد والصبر بكسر الباء قال ابن عطية وهذا لايجوز الا في الوقف على نقل الحركة وروى عن أبي عمرو بالصبر بكسر الباء اشماما وهذا كما قال لايكون أيضا الا في الوقف وقال صاحب اللوامح قرأ عيسى البصرة بالصبر بنقل حركة الراء الى الباء لئلا يحتاج الى أن يؤتى ببعض الحركة في الحركة في الوقف ولاالى أن يسكن فيجمع بين ساكنين وذلك لغة شائة وليست بشاذة بل مستفيضة وذلك دلالة على الاعراب وانفصال من التقاء الساكنين وتأدية حق الموقوف عليه من السكون انتهى ومن هذا كما في البحر قوله أنا جرير كنيتي أبو عمرو
اضرب بالسيف وسعد في العصر وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن علي كرم الله وجهه أنه كان يقرأوالعصر نوائب الدهر ان الانان لفي خسر وانه لقيه الى آخر الدهر وأخرج عبد بن حميد وابن أبي داود في المصاحف عن ميمون بن مهران أنه قرأ والعصر ان الانسان لفي خسر وانه لفيه الى آخر الدهر الا الذين آمنوا الخ وذكر انها قراءة ابن مسعود هذا واستدل بعض المعتزلة بما في هذه السورة على ان مرتكب الكبيرة مخلد في النار لانه لم يستثن فيها عن الخسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات الخ وأجيب عنه بانه لا دلالة في ذلك على أكثر من كون غير المستثنى في خسر وأما على كونه مخلدا في النار فلا كيف والخسر عام فهو اما بالخلود ان مات كافرا وأما بالدخول في النار ان مات عاصيا ولم يغفروا ما بفوت الدرجات العاليات ان غفر وهو جواب حسن وللشيخ الماتريدى رحمه الله تعالى في التفصى عن ذلك تكلفات مذكورة في التأويلات فلا تغفل وفي السورة من الندب الى الامر بالمعروف والنهي عن النكر وان يحب المرء لاخيه مايحب لنفسه ما لايخفى
سورة الهمزة
مكية وآيها تسع بلاخلاف في الامرين ولما ذكر سبحانه فيما قبلها أن الانسان سوى من استثنى في خسر بين عز و جل فيها أحوال بعض الخاسرين فقال عز من قائل بسم الله الحمن الحيم
ويل لكل همزة لمزة تقدم الكلام على اعراب مثل هذه الجملة والهمز الكسر كالهزم واللمز الطعن كاللهز شاعا في الكسر من اعراض الناس والغض منهم واغتيابهم والطعن فيهم وأصل ذلك كان استعارة لانه لايتصور الكسر والطعن الحقيقيان في الاجسام فصار حقيقة عرفية ذلك وبناء فعلة يدل على الاعتياد فلا يقال ضحكة ولعنة الا للمكثر المتعود قال زياد الاعجم اذا لقيتك عن شخط تكاشرني
وان تغيبت كنت الهامز اللمزة