كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
الأنهار ونحو ذلك عمل من يظن انه ماله أبقاه حيا والاظهار في مقام الاضمار لزيادة التقرير والتعبير بالماضي للمبالغة في المعنى المراد وجوز أن يراد انه حاسب ذلك حقيقة لفرط غروره واشتغاله بالجمع والتكاثر عما امامه من قوارع الآخرة أو لزعمه ان الحياة والسلامة عن الامراض والآفات تدور على مراعاة الاسباب الظاهرة وان المال هو المحور لكرتها والملك المطاع في مدينتها وقيل المراد انه يحسب المال من المخلدات ولانظر فيه الى ان الخلود دنيوي او اخروى ذكرا أو عينا انما النظر في اثبات هذه الخاصة للمال والغرض منه التعريض بان ثم مخلدا ينبغي للعاقل أن يكب عليه وهو السعى للآخرة وهو بعيد جدا ولذا لم يجعل بعض الاجلة التعريض وجها مستقلا وزعم عصام الدين أنه يحتمل أن يكون فاعل أخلدا الحاسب ومفعوله المال أي يظن أن يحفظ ماله أبدا ولايعرف أنه معرض للحوادث أو للمفارقة بالموت كما قيل بشر مال البخيل بحادث أو وارث وهو لعمري مما لاعصام له كلا ردع له عن ذلك الحسبان الباطل أو عنه وعن جمع المال وحبه المفرط على ماقيل واستظهر أنه ردع عن الهمز واللمز وتعقب بأنه بعيد لفظا ومعنى وأنا لاأرى بأسا في كون ذلك ردعا له عن كل ماتضمنته الجمل السابقة من الصفات القبيحة وقوله تعالى لينبذن جواب قسم مقدر والجملة استئناف مبين لعلة الردع أي والله ليطرحن بسب أفعاله المذكورة في الحطمة أى في النار التي من شأنها أن تحطم كل من يلقى فيها وبناء فعلة لتنزيل الفعل لكونه طبيعيا منزلة المعتاد 0 والحطم كسر الشىء كالهشم ثم استعمل لكل كسر متناه وأنشدوا انا حطمنا بالقضيب مصعبا
يوم كسرنا أنفه ليغضبنا ويقال رجل حطمة أي أكول تشبيها له بالنار ولذا قيل في أكول
كانما في جوفه تنور
وفسر الضحاك الحطمة هنا بالدرك الرابع من النار وقال الكلبي هي الطبقة السادسة من جهنم وحكى القشيرى عنه انها الدرك الثاني وقال الواحدي هي باب من أبواب جهنم وزعم أبو صالح انها النار التي في قبورهم وليس بشيء وقوله تعالى وما أدراك ما الحطمة لتهويل أمرها ببيان انها ليست من الامور التي تنالها عقول الخلق وقرأ علي كرم الله وجهه والحسن بخلاف عنه وابن محيصن وحميد وهرون عن أبي عمرو ولينبذان بضمير الاثنين العائد على الهمزة وماله وعن الحسن أيضا لينبذن بضم الذال وحذف ضمير الجمع فقيل هو راجع لكل همزة باعتبار أنه متعدد وقيل له ولعدده أي اتباعه وانصاره بناء على ماسمعت في قراءته هناك وعن أبي عمرو لننبذنه بنون العظمة وهاء النصب ونو التأكيد وفقرأ زيد بن علي رضى اله تعالى عنه في الحاطمة وماأدراك ماالحاطمة نار الله خبر مبتدا محذوف والجملة لبيان شان المسؤل عنها أي نار الله الموقدة بامر الله عز و جل وفي اضافتها اليه سبحانه ووصفها بالايقاد أمرها مالامزيد عليه التي تطلع على الافئدة أي تعلوا أوساط القلوب وتغشاها وتخصيصها بالذكر لما أن الفؤاد الطف مافي الجسد وأشده تالما بادنى أذى يمسه أو لانه محل العقائد الزائغة والنيات الخبيثة والملكات القبيحة ومنشأ الاعمال السيئة فهو أنسب بما تقدم من جميع أجزاء الجسد وأخرج عبد بن حميد وابن ابي حاتم عن محمد بن كعب انه قال في الآية تاكل كل شىء منه حتى تنتهي الى فؤاده فاذا بلغت فؤاده ابتدأ خلقه وجوز أن يرد الاطلاع العلمي والكلام على سبيل المجاز وذلك أنه لما كان لكل من المعذبين عذاب من النار على قدر ذنبه المتولد من صفات قلبه قيل انها تطالع الافئدة التي هي معادن الذنوب فتعلم مافيها فتجازي كلا بحسب مافيه من الصفة المقتضية للعذاب
وارباب الاشارة يقولون ان