كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
ما ذكر اشارة الى العذاب الروحاني الذي هو اشد الذاب انها عليهم مؤصدة أي مطبقة وتمام الكلام مر في سورة البلد في عمد جمع عمود كما قال الراغب والفراء وقال ابو عبيدة جمع عماد وفي وهو اسم جمع الواحد عمود وقرأ الاخوان وابو بكر عمد بضمتين وهرون عن أبي عمر وبضم العين وسكون الميم وهو في القراءتين جمع عمود بلا خلاف وقوال تعالى ممدة صفة عمد في القراآت الثلاث أي طوال والجار والمجرور في موضع الحال من الضمير المجرور في عليهم أي كائنين في عمد ممددة أي موثقين فيها مثل المقاطر وهي خشب أو جذوع كبار فيها خروق يوضع فيها ارجل المحبوسين من اللصوص ونحوهم أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم كائنون في عمد موثقون وهي والعياذ بالله تعالى على ماروى عن ابن زيد عمد من حديد وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس انها من نار واستظهر بعضهم ان العمد تمدد على الابواب بعد أن تؤصد عليهم ليأسهم واستيثاق وفي حديث طويل أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الاصول عن أبي هريرة مرفوعا أن الله تعالى بعد ان يخرج من النار عصاة المؤمنين وأطولهم مكثا فيها من يمكث سبعة آلاف سنة يبعث عز و جل الى أهل النار ملائكة باطباق من نار ومسامير من نار وعمد من نار فيطبق عليهم بتلك الاطباق ويشد بتلك المسامير وتمدد تلك العمد ولايبقى فيها خلل يدخل فيه روح ولايخرج منه غم وينساهم الجبار عز و جل على عرشه ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ولايستثيغون بعدها أبدا وينقطع الكلام فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا وفيه فذلك قوله تعالى انها عليهم مؤصدة في عمد ممدة اللهم أجرنا من النار ياخير مستجار وعلى هذا يكون الجار والمجرور متعلقا بمؤصدة حالا من الضمير فيها كما قال صاحب الكشف وحكاه الطيبي وفي الارشاد عن أبي البقاء انه صفة لمؤصدة وقال بعض لامانع عليه أن يكون صلة مؤصدة على معنى أن الابواب أوصدت بالعمد وسدت بها وأيد بما أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في الآية أدخلهم في عمد وتمددت عليهم في أعناقهم السلاسل فسدت بها الابواب ثم ان مذكر لاشعاره بالخلود وأشدية العذاب يناسب كون المحدث عنهم كفارا همزوا ولمزوا خير البشر صلى الله تعالى عليه وسلم وما تقدم من حمل العمد على المقاطر قيل يناسب العموم لان المغتاب كانه سارق من اعراض الناس فيناسب أن يعذب بالمقاطر كاللصوص فلا يلزم الخلود وقد يقال من تأمل في هذه السورة ظهر له العجب العجاب من التناسب فانه لما بولغ في الوصف في قوله تعالى همزة لمزة قيل الحطمة للتعادل ولما أفاد ذلك كسر الاعراض قوبل بكسر الاضلاع المدلول عليه بالحطمة وجىء بالنبذ المنبىء عن الاستحقار في مقابلة ماظن الهامز اللامز بنفسه من الكرامة ولما كان منشأ جمع المال استيلاء حبه على القلب جىء في مقابلة تطلع على الافئدة ولما كان من شأن جامع المال المحب له أن ياصد عليه قيل في مقابلة انها عليهم مؤصدة ولما تضمن ذلك طول الامل قيل في عمد ممددة وقد صرح بذلك بعض الاجلة فليتامل والله تعالى أعلم
سورة الفيل
مكية وأيها خمس بلا خلاف فيهما وكانه لما تضمن الهمز واللمز من الكفرة نوع كيد له عليه الصلاة و السلام عقب ذلك بقصة أصحاب الفيل للاشارة الى أن عقى كيدهم في الدنيا تدميرهم فان عناية الله عز و جل برسوله صلى الله عليه و سلم أقوى وأتم من عنايته سبحانه بالبيت فالسورة مشيرة الى مآلهم في الدنيا اثر بيان مآلهم في الاخرى ويجوز ان تكون كالاستدلال على ما أشير اليه فيما قبلها من أن المال لا يغني من الله تعالى شيئا أو على قدرته عز و جل انفاذ ما توعد به أولئك الكفرة