كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

فقال من صنع هذا فقيل رجل من أهل هذا البيت الذي تحج اليه العرب بمكة غضب لما سمع قولك اصرف اليها حج العرب ففعل ذلك فاستشاط أبرهة غضبا وحلف ليسيرن الى البيت حتى يهدمه وقيل أججت رفقة من العرب نارا حولها فحملتها الريح فاحرقتها فغضب لذلك فامر الحبشة فتهيات وتجهزت فخرجت في ستين ألف على ما قيل منهم ومعه فيل اسمه محمود وكان قويا عظيما واثنا عشر فيلا غيره وقيل ثمانية وروى ذلك عن الضحاك وقيل ألف فيل وقيل معه محمود فقط وهوقول الاكثرين الاوفق بظاهر الآية فسمعت العرب بذلك فاعظموه وقلقوا به ورأوا جهاده حقا عليهم فخرج اليه رجل من اشراف اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر بمن أطاعه من قومه وسائر العرب فقاتله فهزم وأخذ أسيرا فأراد قتله فقال أيها الملك لاتقتلني فعسى ان يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي فتركه فحبسه عنده حتى اذا كان بأرض خثعم عرض له نفيل ابن حبيب الخثعمي بمن معه من قومه وغيرهم فقاتله فهزم وأخذ أسيرا فهم بقتله فقال نحو ماسبق فخلى سبيله وخرج به يدله اذا مر بالطائف خرج ايه مسعود ابن معيب بن مالك الثقفي في رجال من ثقف فقال له أيها الملك انما نحن عبيدك سماعون لك مطيعون ليس لك عندنا خلاف وليس بيتنا هذا الذي تريد يعنون بيت الات انما تربد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك عيه فتجاوز عنهم فبعثوا معه أبا رغال فخرج ومعه أبو رغال حتى انزله المغمس كمعظم موضع بطريق الطائف معروف فلما نزله مات أبو رغال ودفن هناك فرجمت قبره العرب كما قال ابن اسحق وقيل القبر الذي هناك لابي رغال رجل من ثمود وهوأبو ثقيف كان بالحرم يدفع عنه فلما خرج منه اصابته النقمة التي أصابت قومه بالمغمس فدفن فيه واختاره صاحب القاموس ذاكرا فيه حديثا رواه أبو دواد في سننه وغيره عن ابن عمر مرفوعا وقال فيما تقدم بعد عن الجوهري ليس بجيد جمع بعض بجواز أن يكون قبران لرجلين كل منهما أبو رغال ثم أن أبرهة بعث وهو بالمغمس رجلا من الحبشة يقال له الاسود بن مقصور حتى انتهى الى مكة فساق أموال أهل أهل تهامة من قريش وغيرهم وأصاب فيها مائتي بعي وقيل أربعمائة بعير لعبد المطلب وكان يومئذ سيد قريش فهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان بالحرم بحربه فعرفوا أن لاطاقة لهم به فكفوا فبعث أبرهة حياطة الحميري الى مكة وقال قل لسيد هذا البلد ان الملك يقول اني لم آت لحربكم انما جئت لهدم هذا البيت فان لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم فان هو لم يرد حربي فاتني به فلما دخل حياطة دل على عبد المطلب فقال له ما أمر به فقال عبد المطلب والله مانريد حربه وما لنا طاقة هذا بيت الله الحرام وبيت خليله ابراهيم عليه السلام فان يمنعه منه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه ثم انطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر فسأل عن ذي نفر وكان صديقه فدخل عليه فقال له هل عندك من غناء فيما نزل بنا فقال وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله غدوا وعشيا ما عندي غناء في شيء مما نزل بك الا أن أنيسا سائس اليل سارسل ايه فأوصيه بك وأعظم عليه حقك وأسأله أن يستأذن لك على الملك فتكلمه بما بدا لك ويشفع لك عنده بخير ان قدر على ذلك فقال حسبي فبعث اليه فقال له ان عبد المطلب سيد قريش وصاحب عين مكة ويطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤس الجبال وقد أصاب الملك له مائتي بعير فاستأذن له عليه وانفعه عنده بما استطعت فقال افعل فكلم أبرهة ووصف عبد المطلب بما وصفه به ذو نفر فأذن له وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم فلما رآه أكرمه عن أن يجلس تحته فكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه فنزل عن سريه فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه الى جنبه والقول بأنه اعظمه لما رأى من نور النبوة الذي كان في وجهه ضعيف لما فيه من الدلالة على كون

الصفحة 234