كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

أعم من القلبية والقالبية والامر والنهي المتعلقان بها لا يختصان بالمأمورات والمنهيات القلبية والقلبية وأن مقاصد القرآن العظيم لا تنحصر في الأمر والنهي المذكورين بل هو مشتمل على مقاصد اخرى كاحوال المبدا والمعاد ومن هنا قيل لعل الاقرب ان يقال ان مقاصد القرآن التوحيد والاحكام الشرعية وأحوال المعاد والتوحيد عبارة عن تخصيص الله تعالى بالعبادة وهو الذي دعا اليه الانبياء عيهم السلام اولا بالذات والتخصيص انما يحصل بنفي عبادة غيره تعالى وعبادة الله عز و جل اذ التخصيص له جزآن النفى عن الغير والاثبات للمخصص به فصارت المقاصد بهذا الاعتبار اربعة وهذه السورة تشتمل على ترك عبادة غيره سبحانه والتبري منها فصارت بهذا الاعتبار ربع القرآن ولكونها ليس فيها التصريح بالامر بعبادة الله عز و جل كما أن فيها التصريح بترك عبادة غيره تعالى لم تكن كنصف القرآن وقيل ان مقاصد القرآن صفاته تعالى والنبوات والاحكام والمواعظ وهي مشتملة على أساس الاول وهو التوحيد ولذا عدلت ربعه وذكر بعض أجلة أحبابي المعاصرين اوجها في ذلك احسنها فيما ارى ان الدين الذي تضمنه القرآن اربعة أنواع عبادات ومعاملات وجنايات ومناكحات والسورة متضمنة من النوع الاول فكانت ربعا وتعقب بانه أراد فكانت ربعا من القرآن فلا نسلم صحة تفريعه على كون الدين الذي تضمنه القرآن أربعة أنواع وان اراد فكانت ربعا من الدين فليس الكلام فيه انما الكلام في كونها تعدل ربعا من القرآن اذ هو الذي تشعر به الاخبار على اختلاف ألفاظها والتلازم بينهما غير مسلم على ان المقابلة الحقيقية بين ماذكر من الانواع غير تامة وأجيب باحتمال انه اراد أن مقاصد القرآن هي تلك الاربعة التي هي الدين ولايبعد ان يكون ماتضمن واحدا منها عدل القرآن كله مقاصده أحوال المبدا والمعاد فبدخول ذلك في العبادات بنوع عناية وعدم التقابل الحقيقي لايضر اذ يكفي في الغرض عد أهل العرف تلك الامور متقابلة ولو بالاعتبار فتأمل جميع ذلك والله تعالى الهادي لاقوم المسالك بسم الله الرحمن الرحيم
قل يا أيها الكافرون قال أجلة المفسرين المراد بهم كفرة من قريش مخصوصون قد علم الله تعالى انهم لايتاتى منهم الايمان أبدا أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الانباري في المصاحف عن سعيد بن ميناء مولى أبي البختري قال لقى الوليد بن المغيرة والعاصي بن واثل والاسود بن المطلب وأمية بن خلف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا يامحمد هلم فلتعبد مانعبد ونعبد ماتعبد ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فان كان الذي نحن عليه أصح من الذي أنت عليه كنت قد أخذت منه حظا وان كان الذي أنت عليه أصح من الذي نحن عليه كنا قد أخذنا منه حظا فانزل الله تعالى قل ياأيها الكافرون حتى انقضت السورة وفي رواية ان رهطا من عتاة قريش قالوا له صلى الله عليه و سلم هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك تعبد آلهتنا سنة وعبد الهك سنة فقال عليه الصلاة و السلام معاذالله تعالى ان اشرك بالله سبحانه غيره فقالوا فاستلم بعض آلهتنا نصدقك ونعبد الهك فنزلت فعدا صلى الله تعالى عليه وسلم الى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش فقام عليه الصلاة و السلام على رؤسهم فقرأها عليهم فايسوا ولعل نداءهم بيا ايها للمبالغة في طلب اقبلهم لئلا يفوتهم شىء مما يلقى اليهم وبالكافرون دون الذين كفروا لأن الكفر كان دينهم القديم ولم يتجدد لهم أولا لان الخطاب مع الذين يعام استمرارهم على الكفر فهو كاللازم لهم أو للمسارعة الى ذكر مايقال لهم لشدة الاعتناء به وبه دون المشركين مع أنهم عبدة أصنام والاكثر التعبير عنهم بذلك لان ماذكر انكى لهم فيكون أبلغ في قطع رجائهم الفارغ وقيل هذا للاشارة الى أن الكفر كله ملة واحدة ولا يبعد أن

الصفحة 250