كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
يكون في هذه الاشارة انكاء لهم أيضا وفي ندائه عليه الصلاة و السلام بذلك في ناديهم ومكان بسطة أيديهم دليل على عدم اكتراثه عليه الصلاة و السلام بهم اذ المعنى قل يامحمد والمراد حقيقة الامر خلافا لصاحب التأويلات للكافرين يأيها الكافرون لا أعبد ماتعبدون ولاأنتم عابدون ما أعبد ولاأنا عابد ماعبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد يتراءى أن فيه تكرارا للتأكيد فالجملة الثالثة المنفية على مافي البحر توكيد للاولى على وجهه أبلغ لاسمية المؤكدة والرابعة توكيد للثانية وهو الذي اختاره الطيبى وذهب اليه الفراء وقال ان القرآن نزل بلغة العرب ومن عادتهم تكرار الكلام للتأكيد والافهام فيقول المجيب بلى بلى والممتنع لالا وعليه قوله تعالى كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون وأنشد قوله كائن وكم عندي لهم من صنيعة
أيدي سنوها على وأوجبوا وقوله نعق الغراب ببين ليلى غدوة
كم كم وكم بفراق ليلى ينعق وقوله هلا سألت جموع كندة
يوم ولوا أين أينا وهو كثير نظما ونثرا وفائدة التأكيد ههنا قطع أطماع الكفار وتحقيق انهم باقون على الكفر أبدا واعترض بأن تأكيد الجمل لايكون مع العاطف الا بثم وكأن القائل بذاك قاس الواو على ثم والظاهر ان من قال بالتأكيد جعل الجملة الرابعة معطوفة على الثالثة وجعل المجموع معطوفا على مجموع الجملتين الاوليين فهناك مجموعان متعاطفان يؤكد ثانيهما أولهما ولمغايرة الثاني للاول بمافيه من الاستمرار عطف عليه بالواو فلايرد ماذكر ويتضمن ذلك معنى تأكيد الجزء الاول من الثاني للجزء الاول من الاول وتاكيد الجزء الثاني من الثاني للجزء الثاني من الاول والا فظاهر مافي البحر مما لايكاد يجوز كما لايخفى والذي عليه الجمهور انه لاتكرار فيه لكنهم اختلفوا فقال الزمخشري لاأعبد أريد به نفي العبادة فيما يستقبل لان لالا تدخل الا على مضارع في معنى الاستقبال كما ان مالاتدخل الاعلى مضارع في معنى الحال والمعنى لاأفعل في المستقبل ماتطلبونه مني من عبادة آلهتكم ولاأنتم فاعلون فيه مأطلب منكم من عبادة الهى وماكنت عابدا قط فيما سلف ماعبدتم فيه وماعبدتم في وقت ماأنا على عبادته والظاهر انه اعتبر في الجملة الاخيرة استمرار النفي وانه حمل المضارع فيها على افادة الاستمرار والتصوير وفي الثانية استغرق النفي للازمنة الماضية وقال الطيبي انه جعل القرينتين للاولين للاستقبال والآخرين للماضي واعترض عليه بان الحصرين اللذين ذكرهما في لا وما غير صحيح وان كانا يشعر بهما ظاهر كلام سيبويه وقال الخفاجي ما ما ذكر اغلبي او مقيد بعدم القرينة القائمة على ما يخالفه او هو كلى ولا حجر في التجوز والحمل على غيره لمقتض كدفع التكرار هنا وان قيل بتحقق الاستغراب على القول باشتراطه في الحكاية في عابد الاول وعدم ضرر فقده في الثاني لان النصب به للمشاكلة وقيل القرينتان الاوليان للاستقبال كما مر والاخريان للحال واختاره ابو حيان اي ولست في الحال بعابد معبودكم ولاانتم في الحال بعابدى معبودي وقيل بالعكس وعليه كلام الزجاج ومحيى السنة وقيل الاولين للماضي والاخريان للمستقبل نقله ابن كثير عن حكاية البخارى وغيره ونقل ايضا عن شيخ الاسلام ابن تيمية ان المراد بقوله سبحانه لا اعبد ما تعبدون نفي الفعل لانها جملة فعلية وبقوله تعالى ولا انا عابد ما عبدتم نفي قبوله صلى الله تعالى عليه وسلم لذلك بالكلية لان النفي بالجملة الاسمية آكدا فكأنه نفى الفعل وكونه عليه الصلاة و السلام قابلا لذلك ومعناه نفي الوقوع ونفي امكانه الشرعي ونوقش في افادة الجملة الاسمية نفي القبول ولايبعدان يقال ان معنى الجملة الفعلية نفي الفعل في زمان معين والجملة الاسمية معناها نفي الدخول تحت هذا المفهوم مطلقا