كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

من غير تعرض للزمان كأنه قيل أنا ممن لا يصدق عليه هذا المفهوم أصلا وأنتم ممن لايصدق عليه ذلك المفهوم فتدبر وقيل الاوليان لنفي الاعتبار الذي ذكره الكافرون والاخريان للنفي على العموم أي لا أعبد ما تعبدون رجاء أن تعبدوا الله تعالى ولاأنتم عابدون رجاء ما أعبد صنمكم ثم قيل ولا أنا عابد صنمكم لغرض من الاغراض بوجه من الوجوه وكذا انتم لاتعبدون الله تعالى لغرض من الاغراض وايثار ما في اعبد قيل على حميع الاقوال السابقة على من لان المراد الصفة كأنه قيل ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته وجوز أن يقال لما أطلقت ما على الاصنام أولا وهو اطلاق في في محزه أطلقت على المعبود بحق للمشاكلة ومن يقول ان ما يجوز أن تقع على من يعلم ونسب الى سيبويه لايحتاج الى ماذكر وقال أبو مسلم ما في الاوليين بمعنى الذي مفعول به والمقصود المعبود أي لاأعبد الاصنام ولا تعبدون الله تعالى وفي الآخرين مصدرية أي ولا أنا عابد مثل عبادتكم المبنية على الشك وان شئت قلت على الشرك المخرج لها عن كونها عبادة حقيقية ولا أنتم عابدون مثل عبادتى المبينة على اليقين وان شئت قلت على التوحيد والاخلاص وعليه لايكون تكرار ايضا وقال بعض الاجلة في هذا المقام ان قوله تعالى لا اعبد ما تعبدون وقوله سبحانه ولاأنا عابد ما عبدتم اما كلاهما نفي الحال او كلاهما نفي الاستقبال او احدهما للحال والآخر للاستقبال وعلى التقادير فلفظ ما اما مصدرية في الموضعين واما موصولة فيهما واما مصدرية في أحدهما وموصولة او موصوفة في الآخر وهذه ستة أحتمالات حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين ولم يلتفت الى تقسيم صورة الاختلاف الى الفرق بين الاولى والاخرى ولا الى الفرق بين الموصولة والموصوفة لتكثر الاقسام لان صورة الاختلاف متساوية الاقدام في دفع التكرار ومؤدى الموصولة والموصوفة متقاربان فيكتفي باحداهما وكذا الحال قفي قوله تعالى ولاأنتم عابدون ما أعبد في الموضعين ومعلم انه لاتكرار في صورة الاختلاف سواء كان باعتبار الحال والاستقبال أو باعتبار كون مافي أحدهما موصولة أو موصوفة وفي الاخر مصدرية ونفي عبادتهم في الحال أو الاستقبال معبوده عليه الصلاة و السلام بناء على عدم الاعتداد بعبادتهم لله تعالى مع الاشراك المحبط لها وجعلها هباء منثورا كما قيل اذا صافى صديقك من تعادي
فقد عاداك وانقطع الكلام ومن هنا قال بعض الافاضل في اخراج الآية عن التكرار يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى لاأعبد ماتعبدون نفى عبادة الاصنام ومن قوله تعالى ولا أنتم عابدون ما أعبد نفى عبادة الله تعالى من غير تعرض لشىء آخر ولما كان مظنة أن يقولوا لغفلة عن المراد أو نحوها كيف يسوغ لك أن تنفي عنك عبادة مانعبد ونحن أيضا نعبد اله تعالى غاية مافي الباب أنا نعبد معه غير أردف ذلك بقوله سبحانه ولا أنا عابد ماعبدتم الخ للاشارة الى أنهم ماعبدوا الله حقيقة وامنا عبدوا شيئا قالوا انه الله والله عز و جل وراء ذلك أي ولا أنا عابد في وقت من الاوقات الاله الذي عبدتم شيئا تخيلتموه وذلك بعنوان ماتخيلتم ليس بالاله الذي أعبده ولاأنتم عابدون في وقت من الاوقات ما أنا على عبادته لانى انما أعبد الاله المتصف بالصفات التي قام البرهان على انها صفات الاله 0 النفس الامرى ويعلم منه وجه غير ماتقدم للتعبير بالكافرون دون المشركون وكانه لم يؤت بالقرينتين الاوليين بهذا المعنى ويكتفي بهما عن الاخريين لانهما أوفق بجوابهم مع أن هذا الاسلوب أنكى لهم فلاتغفل ومن الناس من اختار كون مافي القرينتين الاوليين موصولة مفعولا به لما قبلها والمراد بها أولا آلهتهم وثانيا الهه عليه الصلاة و السلام والمراد نفى العبادة ملاحظا معها

الصفحة 252