كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

التعلق بما تعلقت به من المفعول بل هو المقصود ومحط النظر كما يقتضي ذلك وقوع القرينتين في الجواب ويعتبر الاستقبال رعاية للغالب في استعمال لا داخلة على المضارع مع كونه أوفق الجواب أيضا ويكون قد تم بهما فكأنه قيل لاأعبد في المستقبل ماتعبدون في الحال من الآلهة أي لاأحدث ذلك حسبما تطلبونه منى وتدعوني اليه ولا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد في الحال وكونها في الاخريين مصدرية مؤولة مع مابعدها بمصدر وقع مفعولا مطلقا لما قبل كما فعل أبو مسلم ليتضمن الكلام الاشارة الى بيان حال العبادة في نفسها من غير نظر الى تعلقها بالمفعول وان كانت لاتخلو عنه في الواقع اثر الاشارة الى بيان حالها مع ملاحظة تعلقها بالمفعول ويراد استمرارالنفي في كلتيهما كما في قوله تعالى لاخوف عليهم ولاهم يحزنون وفي ذلك من انكائهم ماليس في الاقتصار على ماتم به الجواب فكأنه قيل ولا أنا عابد على الاستمرار عبادة مثل عبادتكم اتي اذهبتم بها أعماركم لان عبادتى مأمور بها وعبادتكم منهى عنها ولاأنتم عابدون على الاستمرار عبادة مثل عبادتي التي أنا مستمر عليها لانكم الذين خذلهم الله تعالى وختم على قلوبهم واني الحبيب المبعوث بالحق فلا زلتم في عبادة منهى عنها ولازلت في عبادة مأمور بها ولك أن تعتبر الفرق بين العبادتين بوجه آخر واعتبار الاستمرار في ما أعبد يشعر به العدول عن ماعبدت الذي يقتضيه ماعبدتم قبله اليه وعن العدول في الثانية الى ذلك لان أنواع عبادته عليه الصلاة و السلام لم تكن تامة بعد بل كانت تتجدد لها أنواع أخر فأتى بما يفيد الاستمرار التجددى للاشارة الى حقيقة جميع ما يأتي به صلى الله تعالى عليه وسلم من ذلك وقال الزمخشري لم يقل ماعبدت كما قيل ماعبدتم لانهم كانوا يعبدون الاصنام قبل البعث وهو عليه الصلاة و السلام لم يكن يعبد اله تعالى في ذلك الوقت وتعقب بان فيه نظرا لما ثبت أنه عليه الصلاة و السلام كان يتحنث في غار حراء قبل البعثة ونص أبو الوفاء على ابن عقيل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان متدينا قيل بعثه بما يصح عنه أنه من شريعة أبراهيم عليه السلام وأما بعد البعث فقال ابن الجوزى في كتاب الوفاء فيه روايتان عن الامام أحمد احداهما أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي لا من جهتهم ولانقلهم ولاكتبهم المبدلة واختارها أبو الحسن التميمى وهو قول أصحاب أبي حنيفة الثانية ان لم يكن متعبدا الابما يوحى اليه من شريعته وهو قول المعتزلة والاشعرية ولاصحاب الشافعى وجهان كالروايتين والقائلون بانه عليه الصلاة و السلام متعبد بشرع من قبله اختلفوا في التعيين فقيل كان متعبدا بشريعة أبراهيم عليه السلام وعليه أصحاب الشافعي وقيل بشريعة موسى عليه السلام الاما نسخ في شرعنا وظاهر كلام أحمد أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان متعبدا بكل ماصح أنه شريعة لنبي قبله مالم يثبت نسخه لقوله تعالى أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وقال ابن قتيبة لم تزل العرب على بقايا دين اسماعيل عليه السلام كالحج والختان وايقاع الطلاق الثلاث والدية والغسل من الجنابة وتحريم المحرم بالقرابة والصهر وكان عليه الصلاة و السلام على ماكانوا عليه من الايمان بالله تعالى والعمل بشرائعهم انتهى والمعتزلة لم يجوزوا ذلك لزعمهم ان فيه مفسدة وهوايجاب النفرة نعم من أصولهم وجوب التعبد العقلي بالنظر في آيات الله تعالى وأدلة توحيده سبحانه ومعرفته عز و جل ولايمكن أن يخلى صلى الله تعالى عليه وسلم بذلك وفي الكشف العبادة قد تطلق على أعمال الجوارح الواقعة على سبيل القربة فالايمان والنية والاخلاص شروط ومنه لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد واختلف أنه عليه الصلاة و السلام كان متعبدا بهذا المعنى قبل نبوته بشرع أولا فميل الامام فخر الدين وجماعة من الشافعية وأبي الحسين البصري وأتباعه الى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن متعبدا وأجابوا عن الطواف والتحنث

الصفحة 253