كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

سورة النصر
وتسمى سورة أذا جاء وعن ابن مسعود انها تسمى سورة التوديع لما فيها من الايماء الى وفاته عليه الصلاة و السلام وتوديعه الدنيا وما فيها وجاء في عدة روايات عن ابن عباس وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال حين نزلت نعيت الى نفسى وفى رواية البيهقى عنه أنه لما نزلت دعا عليه الصلاة و السلام فاطمة رضى الله تعالى عنها وقال انه قد نعيت الى نفسى فبكت ثم ضحكت فقيل لها فقالت أخبرنى انه نعيت اليه بنفسه فبكيت ثم أخبرنى بأنك أول أهلى لحاقا بى فضحكت وقد فهم ذلك منها عمر رضى الله تعالى عنه وكان يفعل عليه الصلاة و السلام بعدها فعل مودع وهى مدنية على القول الاصح في تعريف المنى فقد أخرج الترمذى في مسنده والبيهقى من حديث موسى بن عبيدة وعبد الله بن دينار وصدقة بن بشار عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسام أوسط أيام التشريق بمعنى وهو في حجة الوداع اذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها الخبر وأخرجه أيضا ابن أبى شيبة وعبد بن حميد وغيرهما لكن قال الحافظ بن رجب بعد أن أخرجه عن الاولين أن اسناده ضعيف جدا وموسى بن عبيدة قال احمد لاتحل الرواية عنه وعليه ان صح يكون نزولها قريبا جدا من زمان وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم فان مابين حجة الوداع واجابته عليه الصلاة و السلام داع الحق ثلاثة أشهر ونيف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال والله ماعاش صلى الله تعالى عليه وسلم بعد نزول اذا جاء نصر الله والفتح قليلا سنتين ثم توفى عليه الصلاة و السلام وفي البحر ان نزولها عند منصرفه صلى الله تعالى عليه وسلم من خيبر وأنت تعلم أن غزوة خيبر كانت فى سنة سبع أواخر المحرم فيكون مافى البين أكثر من سنتين ويدل على مدنيتها أيضا ماأخرجه مسلم وابن شيبة وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال خر سورة نزلت من القرآن جميعا اذا جاء نصر الله وآيها ثلاث بالاتفاق وفيها اشارة الى اضمحلال ملة الاصنام وظهور دين الله عز و جل على اتم وجه وهو وجه مناسبتها لما قبلها ويحتمل غير ذلك وهى على مأخرج الترمذى وغيره من حديث أنس اذا جاء نصر الله والفتح ربع القرآن ولم اظفر بوجه ذلك وسيأتى ان شاء الله تعالى مايتعلق به بسم الله الرحمن الرحيم
اذا جاء نصر الله اى اعانته تعالى واظهاره اياك على عدوك وهذا معنى النصر المعدى بعلى وفسر به لانه اوفق بقوله تعالى والفتح وجوز أن يراد به المعدى بمن ومعناه الحفظ والفتح يتضمن النصر بالمعنى الاول فحينئذ يكون الكلام مشتملا على افادة النصرين والاول هو الظاهر واذا منصوب بسبح والفاء غير مانعة على ماعليه الجمهور فى مثل ذلك وأبو حيان على أنها معمولة للفعل بعدها وليست مضافة اليه وسيأتى ان شاء الله تعالى قول آخر والمراد بهذا النصر ماكان في أمر مكة من غلبته عليه الصلاة و السلام على قريش وذكر النفاش عن ابن عباس أن النصر هو صلح الحديبية وكان فى آخر سنة ست واما الفتح فقد أخرج جماعة عنه وعن عائشة أن المراد به فتح مكة وروى ذلك عن مجاهد وغيره وصححه الجمهور وكان في السنة الثامنة وقال ابن شهاب لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان على رأس ثمان سنين ونصف من الهجرة وخرج عليه الصلاة و السلام على مأخرجه أحمد بسند صحيح عن أبى سعيد لليلتين خلتا من شهر رمضان وفى رواية أخرى لثنتى عشرة وعند مسلم لست عشرة وقال الواقدى خرج صلى الله تعالى علسه وسلم يوم الاربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر وضعفه القسطلانى وكان المسلمون في تلك الغزوة عشرة آلاف من المهاجرين والانصار وطوائف من العرب وفى الاكليل اثني

الصفحة 255