كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

ليكون النصر متصلا بقوله تعالى ولى دين والوعيد راجعاالى قوله تعالى لكم دينكم على حد يوم تبيض وجوه الآية فتأمل هذه المجانسة الحاصلة بين هذه السور مع أن سورة النصر من آخر مانزل بالمدينة وتبت من من أوائل مانزل بمكة لتعلم ان ترتيبها من الله تعالى وبامره عز و جل ثم قال ووجه آخر وهو انه لما قال لكم دينكم ولى دين فكانه قيل الهى ما جزاء المطيع قال حصول النصر والفتح ثم قيل فما جزاء العاصى قال الخسار فى الدنيا والعقاب فى العقبى كما دلت عليه سورة تبت انتهى وهو كما ترى بسم اله الرحمن الرحيم
تبت أى هلكت كما قال جبير وغيره ومنه قولهم أشابة أم تابة يريدون أم هالكة من الهرم والتعجيز أى خسرت كما قال ابن عباس وابن عمر وقتادة وعن الاول أيضا خابت وعن يمان بن وثاب صفرت من كل خير وهى على مافى فى البحر أقوال متقاربة وقال الشهاب ان مادة التباب تدور على القطع وهو مؤد الى الهلاك ولذا فسر به وقال الراغب هو الاستمرار فى الخسران ولتضمنه الاستمرار قيل استتب لفان كذا أى استمر ويرجع هذا المعنى الى الهلاك يدا أبى لهب هو عبد العزى عبد المطلب عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان شديد المعاداة والمناصبة له عليه الصلاة و السلام ومن ذلك مافى المجمع عن طارق المحاربى قال بينا أنا بسوق ذى المجاز اذا أنا برجل حديث السن يقول أيها الناس قولوا لااله الا الله تفلحوا واذا رجل خلفه يرميه قد قد أدمى ساقيه وعر قوبيه وبقول ياأيها الناس انه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يزعم أنه نبى وهذا عمه أبو لهب يزعم انه كذاب وأخرج الامام أحمد والشيخان والترمذى عن ابن عباس قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الاقربين صعد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على الصفا فجعل ينادى يابنى فهر يابنى عدى لبطنون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل اذ لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى قالوا نعم ماجربنا عليك الاصدقا قال فانى نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك سائر الايام ألهذا جمعتنا فنزلت ويروى أنه مع ذلك القول أخذ بيديه حجرا ليرمى بها رسول الله صلى الله تعالى عيه وسلم ومن هذا يعلم وجه ايثار التباب على الهلاك ونحوه مما تقدم واسناده الى يديه وكذا مما روى البيهقى فى الدلائل عن ابن عباس أيضا أن أبا لهب قال اما خرج من الشعب وظاهر قريشا ان محمدا يعدنا اشياء لانراها كائنة يزعم انها كائنة بعد الموت فماذا وضع في يديه ثم نفخ فى يديه ثم قال تبا لكما ماأرى فيكما شيئا مما يقول محمد صلى اله تعالى عليه وسلم فنزلت تبت يدا أبى لهب ومما روى عن طارق يعلم وجه الثانى فقط فاليدان على المعنى المعروف والكلام دعاء بهلاكهما وقوله سبحانه وتب دعاء بجلاك كله وجوز ان يكونا اخبارين بهلاك ذينك الامرين والتعبير بالماضى فى الموضعين لتحقق الوقوع وقال الفراء الاول دعاء بهلاك جملته على ان اليدين اما كناية عن الذات والنفس لما بينهما من اللزوم فى الجملة أومجاز من اطلاق الجزء على الكل كما قال محى السنة والقول في رده انه يشترط أن يكون الكل يعدم بعدمه كالرأس والرقبة واليد ليست كذلك غير مسلم لتصريح فحول بخلافه هنا وفى قوله تعالى ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة أو المراد على ماقيل بذلك الشرط يعدم حقيقة أو حكما كما في اطلاق العين على الربيئة واليد على المعطى أو المتعاطى لبعض الافعال فان الذات من حيث اتصافها بما قصد اتصافها به تعدم يعدم ذلك العضو والثانى اخبار بالحصول أى وكان ذلك وحصل كقول النابغة جزانى جزاه الله شر جزائه
جزاء الكلاب العاويات وقد فعل واستظهر أن هذه الجملة حالية وقد مقدرة على المشهور كما قرأ به ابن مسعود وفى الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس

الصفحة 260