كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

فى سبب النزول فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وقد تب وعلى هذه القراءة يمتنع أن يكون ذلك دعاء لان قد لاتدخل على أفعال الدعاء وقيل الاول اخبار عن هلاك عمله حيث لم يفده ولم يمنعه لان الاعمال تزاول بالايدى غالبا والثانى اخبار عن هلاك نفسه وفى التأويلات اليد بمعنى النعمة وكان يحسن الى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم والى قريش ويقول ان كان الامر لمحمد فلى عنده يد وان كان لقريش فكذلك فأخبر أنه خسرت يده التى كانت عند النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعناده له ويده التى عند قريش أيضا بخسران قريش وهلاكهم فى يد النبى عليه الصلاة و السلام فهذا معنى تبت يدا أبى لهب والمراد بالثانى الاخبار بهلاكه نفسه وذكر بكنيته لاشتهاره بها وقد أريد تشهيره بدعوة السوء وان تبقى سمة له وذكره بأشهر علميه أوفق بذلك ويؤيد ذلك قراءة من قرأ يدا أبو لهب كما قيل على بن أبو طالب ومعاوية ابن أبوسفيان لئلا يغير منه شىء فيشكل على السامع أو لكراهة ذكر أسمه القبيح أو لانه كما روى عن مقاتل كان يكنى بذلك لتلهب وجنتيه واشراقهما فذكر ذلك تهكما به وبافتخاره بذلك أو لتجانس ذات لهب ويوافقه لفظا ومعنى والقول بأنه ليس بتجنيس لفظى لانه ليس فى الفاصلة وهم فانهم لم يشترطوه فيه أو لجعله كناية عن الجهنمى فكأنه قيل تبت يدا جهنمى وذلك لان انتسابه الى اللهب كانتساب الاب الى الولد يدل على ملابسته له وملازمته اياه كما يقال هو أبو الخير وأبو الشر وأخو الفضل وأخو الحرب لمن يلابس هذه الامور ويلازمها وملازمته لذلك تستلزم كونه جهنميا لزوما عرفيا فان اللهب الحقيقى هولهب جهنم فالانتقال من أبى لهب الى جهنمى انتقال من الملزوم الى اللازم أو بالعكس على اختلاف الرأيين فى الكناية فان التلازم بينهما فى الجملة متحقق في الخارج والذهن الا ان هذا اللزوم انما هو بحسب الوضع الاول أعنى الاضافى دون الثانى أعنى العلمى وهم يعتبرون فى الكنى المعنى الاصلية فأبو لهب باعتبار الوضع العلمى مستعمل فى الشخص العين وينتقل منه الى انه جهنمى فهو كناية عن الصفة بالواسطة وهذا ماختاره العلامة الثانى فعنده بلا بواسطة لان معناه الاصلى أعنى ملابس اللهب ملحوظ مع معناه العلمى واحق مع العلامة لان أبا لهب يستعمل في الشخص المعين والمتكلم بناء على اعتبارهم المعانى الاصلية فى الكنى ينتقل منه الى المعنى الاصلى ثم ينتقل منه الى الجهنمى ولايلاحظ معه معناه الاصلى والا لكان لفظ أبى لهب فى الآية مجازا سواء لوحظ معه معناه الاصلى بطريق الجزئية أو التقييد لكونه غير موضوع للمجموع وماقيل ان المعنى الحقيقى لايكون مقصودا فى الكناية وان مناط الفائدة والصدق والكذب فيها هو المعنى الثانى وههنا قصد الذات المعين فليس بشىء لان الكناية لفظ أريد به لازم معناه مع جواز ارادته معه فيجوز ههنا ان يكون كلا المعنيين مرادا وفي المفتاح تصريخ بان المراد في الكناية هو المعنى الحقيقى ولازمه جميعا وزعم السيد أيضا ان الكناية فدل أبى لهب لانه اشتهر بهذا الاسم وبكونه جهنميا فدل اسمه على كونه جهنميا دلالة حاتم على أنه جواد فاذا أطلق وقصد به الانتقال الى هذا المعنى يكون كناية عنه وفيه انه يلزم منه أن تكون الكناية فى مثله موقوفة على اشتهار الشخص بذلك العلم وليس كذلك فانهم ينتقلون من الكنية الى مايلزم مسماها باعتبار الاصل من غير توقف على الشهرة قال الشاعر قصدت أنا المحاسن كى أراه
لشوق كان يجذبنى اليه فلما أن رأيت له فردا
ولم أر من بنيه ابنا لديه

الصفحة 261