كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

جميع الأوجه في معنى الآية كما لا يخفى عند الاطلاع عليها على المتأمل والمسد مامسد أى فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف المقل على ماقال أبو الفتح ومن أى ليف على ماقيل وقيل من لحاء شجر باليمن يسمى المسد وروى ذلك عن ابن زيد وقد يكون كما فى البحر من جلود الابل أو أوبارها ومنه قوله ومسد أمر من أيانق
ليست بانياب ولا حقائق أى فى عنقها مما مسد من الحبال والمراد تصويرها بصورة الحطابة التى تحمل الحزمة وتربطها فى جيدها تخسيسا لحالها وتحقيرا لها لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها اذا كانا فى بيت العز والشرف وفى منصب الثروة والجدة ولقد عير بغض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبى لهب بحاله الحطب فقال مذا أردت الى شتمى ومنقصتى
ام ماتعير من حمالة الحطب غراء شادخة غى الجد غرتها
كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب وقد أغضبها ذلك فيروى أنها لما سمعت السورة أتت أبا بكر رضى الله تعالى عنه وهومع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى المسجد وفى يدها فهر فقالت أن صاحبك قد هجانى ولافعلن وأفعلن وان كان شاعرا فانا مثله أقول مذمما أبينا
ورينه قلينا
وأمره عصينا وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى تعالى عليه وسلم فروى أن أبا بكر قال لها هل ترى معى أحدا فقالت أتهزأ بى لاأرى غيرك فسكت أبو بكر ومضت وهى تقول قريش تعلم انى بنت سيدها فقال رسول الله عليه الصلاة و السلام لقد حجبنى عنها ملائكة فما رأتنى وكفى الله تعالى شرها وقيل ان ذلك ترشيح للمجاز بناء على اعتباره فى حمالة الحطب وفى الكشاف يحتمل أن يكون المعنى تكون فى نار جهنم على الصورة التى كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله فى جرمه وعيه فالحبل مستعار للسلسلة وروى هذا عن عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان وأمر الاعراب على مافى الكشف انه أن نصب حمالة يكون حالا هو والجملة أعنى فى جيدها حبل علعن المعطوف على ضميلر سيصلى أى ستصلى امرأته على هذه الحالة أو يكون حمالة نصبا على الذم والجملة وحدها حالا أو امرأته فى جيدها حبل جملة وقعت حالا عن الضمير ويحتمل عطف الجملة على الجملة على ضعف وعلى الرفع يحتمل أن تكون الجملة حالا وان يكون امرأته عطفا على الفاعل وحمالة الحطب فى جيدها جملة لامحل لها من الاعراب وقعت بيانا لكيفية صليها أى هى حمالة الحطب انتهى فتأمل ولاتغفل وعلى جميع الاوجه والاحتمالات انما لم يقل سبحانه فى عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الغل ونحوه مما فيه امتهان كما قال تعالى فى اعناقهم أغلالا والجيد مع الحلى كقوله
او أحسن من جيد المليحة حليها
ولو قال عنقها كان غثا من الكلام قال فى الروض الانف لانه تهكم نحو فبشرهم بذاب أليم اى لاجبد لها فيحلى ولو لكانت حليته هذه لتحقيرها قيل امرأته ولم يقل زوجه انتهى وهو بديع جدا الا انه يعكر على آخره قوله تعالى وامرأته قائمة ولعله استعان ههنا على ماقال بالمقام وعن قتادة انه كان فى جيدها قلادة من ودع وفى معناه قول الحسن من خرز وقال ابن المسيب كانت قلادة فاخرة من جوهر وأنها قالت واللات والعزى لانفقنها على عداوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولعل المراد على هذا انها تكون في نار جهنم ذات قلادة من حديد ممسود بدل قلادتها التي كانت تقول فيها

الصفحة 264