كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
من المفسرين والمتكلمين ثم لايخفى منافاة ماذكروه للاحدية والصمدية وقولهم ان الاقانيم مع كونها ثلاث جواهلر متمايزة تمايزا حقيقيا جوهر واحد لبداهة بطلانه لايسمن ولايغنى وما يذكونه من المثال لايضاح ذلك فهو عن الايضاح بمعزل وبعيد عن المقصود بألف ألف منزل وكنا ذكرنا فى ضمن هذا الكتاب مايتعلق ببعض عقائدهم مع رده الاأنه كان قبل النظر فى كتبهم وقد اعتمدنا فيه ماذكره المتكلمون عنهم واليوم لنا عزم على تأليف رسالة تتضمن تحرير اعتقداتهم فى الواجب تعالى وذكر شبههم العقلية والنقلية التى يستندون اليها ويعولون فى التثليث عليها حيبما وقفنا عليه فى كتبهم مع ردها على أكمل وجه ان شاء الله تعالى ونسأل الله تعالى التوفيق لذلك وأن يسلك سبحانه بنا فى جميع أمورنا أقوم المسالك فهو سبحانه الجواد الاجود الذى لم يجبه من توجه اليه بالرد ولم يكن له كفوا أحد أى لم يكافئه أحد ولم يماثله ولم يشاكله من صاحبة وغيرها وقيل هو نفى للكفاءة المعتبرة بين الازواج وهو كما ترى وله صلة كفوا على ماذهب اليه المبرد وغير ه والاصل أن يؤخر الا أنه قدم للاهتمام لان المقصود نفى الكفاءة عن ذاته عز و جل وللاهتمام أيضا قدم الخبر مع مافيه من رعاية الفواصل قيل أن الظرف هنا وان لم يكن خيرا مبطلا سقوطه معنى الكلام لانك لو قلت لم يكن كفوا أحد لم يكن له معنى فلما احتيج اليه صار بمنزلة الخبر فحسن ذلك وقال أبو حيان كلام سيبويه فى الظرف اذى يصلح أن يكون خبرا وهو الظرف التام وما هنا ليس كذلك وقال ابن الحاجب قدم الظرف للفواصل ورعايتها ولم يقدم على أحد لئلا يفصل بين المبتدأ وخبره وفيه نظر ظاهر وجوز أن يكون الظرف حالا من أحد قدم عليه رعاية للفاصلة ولئلا يلتبس بالصفة أو الصلة وأن يكون خبرا ليكن ويكون كفوا حالا من الضمير فى الظرف الوقع خبرا وهذا الوجه نقله أبو على فى الحجة عن بعض النحاة ورد بانه كما سمعت آنفا عن أبى حيان ظرف ناقص لايصح أن يكون خبرا فان قدر له متعلق خاص وهو مماثل ونحوه مما تم به الفائدة يكون كفوا زائدا ولعل وقوع الجمل الثلاث متعاطفة دون ماعداها من هذه السورة لانها سيقت لمعنى وغرض واحد وهو نفى المماثلة والمناسبة عنه تعالى بوجه من الوجوه وما تضمنته أقسامها لان المماثل اما ولد او والد أو نظير غيرهما فلتغاير الاقسام واجتماعها فى المقسم لزم العطف فيها بالواو كما هو مقتضى قواعد المعنى وفى كفوا لغات ضم الكاف وكسرها وفتحها مع سكون الكاف مع ضم الفاء وقرأ حمزة ويعقوب ونافع فى رواية كفوا بالهمز والتخفيف وحفص بالحركة وابدال الهمزة واوا وباقى السبعة بالحركة مهموزا وسهل الهمزة الاعرج وأبو جعفر وشيبة فى رواية وفى أخرى عنه كفى من غير همز نقل حركة الهمزة الى الفاء وحذف الهمزة وقرأ سليمان ابن على بن عبد الله بن عباس كفاء بكسر الكاف وفتح الفاء والمد كما فى قول النابغة
لاتقذفنى بركن لاكفاء له
أى لامثل له كما قال الاعلم وهذه السورة الجليلة قد انطوت مع تقارب قطرها على أشتات المعارف الالهية والعقائد الاسلامية ولذا جاء فيها ما جاء من الاخبار وورد ماورد من الاخبار ودل على معنى تحقيق الالهة الصمدية التى معناها وجوب الوجود أو المبدئية لوجود كل ماعداه من الموجودات تم عقب ذلك ببيان انه لايتولد عنه غيره لانه غير متولد عن غيره وبين أنه تعالى وان كان الها لجميع الموجودات فياضا للوجود عليها