كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

فلا يجوز أن يفيض الوجود على مثله كما لو يكن وجوده من غيره ثم عقب ذلك ببيان انه ليس فى الوجود مايساويه فى قوة الوجود فمن أول السورة الى الصمد فى ماهيته تعالى ولوازم ماهيته ووحدة حقيقته وانه غير ملركب أصلا ومن قوله تعالى لم يلد الى أحد فى بيان انه ليس مايساويه من نوعه ولا من جنسه لا بأن يكوون سبحانه متولدا عنه ولا بأن يكون موازى فى الوجود وبهذا المبلغ يحصل تمام معرفة ذاته عز و جل انتهى وأشار فيه الى أن ولم يولد كالتعليل لما قبله وكأن قد قال قبل أن كل ما كان ماديا أو كان له علاقة بالمادة يكون متولدا من غيره فيصير تقدير الكلام لم يلد لانه لم يتولد والاشارة اللى دليله بهو أول السورة فانه لما لم يكن له ماهية واعتبار سوى انه لذاته وجب أن لايكون متولدا عن غيره والا لكانت هويته مستفادة من غيره فلا يكون هو لذاته وظاهر العطف يقتضى عدم أعتبار ما أشار اليه من العلية وقد علمت فيما سبق وجه ذكره وجعل بعضهم العطف فيه قريبا من عطف لايستقدمون على لايستاخرون وأشار بعض السلف الى أن ذكر ذلك لانه جاء فى سبب النزول انهم سألوا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عن ربه سبحانه من أى شىء أمن كذا أم من كذا وممن ورث الدنيا ولمن يورثها وقال الامام انه هو الله أحد ثلاثة ألفاظ وكل واحد منها اشارة الى مقام من مقامات الطالبين فالمقام الاول مقام المقربين وهو أعلى مقامات السائرين الى الله تعالى وهؤلاء نظروا بعيون عقولهم الى ما هيأت الاشياء وحقائقها من حيث هى فما راؤا موجودا سوى الحق لانه الذى يجب وجوده لذاته وماعداه ممكن لذاته فهو من حيث ذاته ليس فقالوا هو اشارة الى الحق اذ ليس هناك فى نظرهم يرجع اليه سواه عز و جل ليحتاج الى التمييز والمقام الثانى لاصحاب اليمين هؤلاء شاهدوه الحق سبحانه موجودا وكذا شاهدوا الخلق فحصلت كثرة فى الموجودات فى نظرهم فلم يكن هو كافيا فى الاشارة الى الحق بل لابد من مميز فاحتاجوا الى يقرنوا لفظة الله بلفظ فقيل لاجلهم هو الله والمقام الثالث هو مقام أصحاب الشمال الذين أن يكون واجب الوجود أكثر من واحد والاله كذلك فجىء باحد ردا عليهم وابطالا لمقالتهم انتهى وبعض الصوفية عد لفظة هو من اعداد الاسماء الحسنى بل قال ان هاء الغيبة هى اسمه تعالى الحقيقى لدلالته على الهوية المطلقة مع كونه من ضروريات التنفس الذى به بقاء حياة النفس واشعار رسمه بالاحاطة ومرتبته من العدد الى دوامه وعدم فنائه ونقل الدوانى عن الامام انه قال علمنى بعض المشايخ يا هو يامن هو يا من لا اله هو وعلى ذلك اعتقاد أكثر المشايخ اليوم ولم يرد ذلك فى الاخبار المقبولة عن المحدثين والله تعالى أعلم
سورة الفلق
مكية فى قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر ورواية كريب عن ابن عباس مدنية فى قول ابن عباس فى رواية أبى صالح وقتادة وهو الصحيح لان سبب نزولها سحر اليهود كما سيأتى ان شاء الله تعالى وهم انما سحروه عليه الصلاة و السلام بالمدينة كما جاء فى الصحاح فلا يلتفت لمن صحح كونها مكية وكذا فى الكلام فى سورة الناس وآيها الخمس بلا خلاف ولما شرح أمر الاهية فى السورة قبلها جىء بها بعدها شرحا لما يستعاذ منه بالله تعالى من الشر الذى فى مراتب العالم ومراتب مخلوقاته وهى السورة التى بعدها نزلتا معا كما فى الدلائل للبيهقى فلذلك قرنتا مع اشتركتا فيه من التسمية بالمعوذتين ومن الافتتاح بقل أعوذ 0 وأخرج مسلم والترمذى والنسائى وغيرهما عنه قال قال رسول الله صالى تعالى عليه وسلم أنزلت على الليلة آيات لم أرى مثلهن قط

الصفحة 278