كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وأخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم اذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأفيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثن تمسح بهما مااستطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه وعلى وجهه وماأقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات وجاء فى الحديث أن من قرأهما مع سورة الاخلاص ثلاثا حين يمسى وحين يصبح كفته من كل شىء وفى فضلهما أخبار كثيرة غير ماذكر وعن أبن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما أخرج الامام أحمد والبزار والطبرانى وابن مردويه من طرق صحيحة عنه انه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لاتخلطوا القرآن بما ليس منه انهما ليستا من كتاب الله تعالى انما أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتعوذ بهما وكان أبن مسعود لايقرأ بهما قال البزار لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة وقد صح عن النبى صلىالله تعالى عليه وسلم أنه قرأ بهما فى الصلاة واثبتتا فى المصحف وأخرج الامام أحمد والبخارى والنسائى وابن حبان وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبى بن كعب فقلت له ياأبا المنذر انى رأيت ابن مسعود لايكتب المعوذتين فى مصحفه فقال أما والذى بعث محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم عنهما وما سألنى عنهما أحد منذ سألت غيرك فقال قيل لى قل فقلت فقولوا فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين فى أعجاز القرآن قال لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الاعجاز لتميز به عن القرآن فلم يختلف فى كونه منه وأنت تعلم أنه وقع الاجماع على قرآنيتهما وقالوا ان انكار ذلك اليوم كفر ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك وفى شرح المواقف ان اختلاف الصحابة فى بعض سور القرآن مروى بالآحاد المفيدة للظن ومجموع القرآن منقول بالنواتر المفيد لليقين الذى يضمحل الظن فى مقابلته فتلك الآحاد مما يلتفت اليه ثم انا سلمنا اختلافهم فيما ذكر قلنا انهم لم يختلفوا فى نزوله على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ولا فى بلوغه فى البلاغة حد الاعجاز بل مجرد كونه من القرآن وذلك لايضر فيما نحن بصدده انتهى وعكس هذا القول فى السورتين المذكورتين قيل فى سورتى الخلع والحفد وفى الفلظهما روايات منها مايقنت به الحنفية فقد روى انهما فى مصحف أبى ابن كعب وفى مصحف ابن عباس وفى مصحف ابن مسعود ان صح انهما كلام الله تعالى منسوخا التلاوة وليسا من القرآن كما لا يخفى بسم اله الرحمن الرحيم
قل أعوذ أى ألتجىء وأعتصم وأتحرز برب الفلق فعل بمعنى مفعول صفة مشبهة كقصص بمعنى مقصوص من فلق شق وفرق وهو يعم جميع الموجدات الممكنة فانه تعالى فلق بنور الايجاد سيما مايخرج من أصل كالعيون من الجبال والامطار من السحاب والنبات من الارض والاولاد من الارحام وخص عرفا بالصبح واطلاقهم المفلوق عليه مع قولهم فلق الله تعالى الليل عن الصبح على نحو أطلاق المسلوخ على الشاة مع قولهم سلخت الجلد من الشاة وتفسيره بالمعنى العام أخرجه ابن جرير وابن المنذر وأبن أبى حاتم عن ابن عباس ولفظه الفلق الخلق وأخرج الطستى عنه أنه فسره بالصبح وأنشد رضى الله تعالى عنه قول زهير الفارج الهم مسد ولاعساكره
كما يفرج غم الظلمة الفلق وهو مروى عن جابر بن عبد الله ومجاهد وقتادة وابن جبير والقرطبى وابن زيد وعليه فتعليق العياذ باسم الرب المضاف الى الفلق المنبىء عن النور عقيب الظلمة والسعة بعد الضيق والفتق بعد الرتق عدة كريمة باعاذة العائذ مما يعوذ منه وانجائه