كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
منه وتقوية لرجائه بتذكير بعض نظائره ومزيد ترغيب له فى الجد والاعتناء بقرع باب الالتجاء اليه عز و جل وقيل أن فى تخصيص الفلق بالذكر لانه انموذج من يوم القيامة فالدور كالقبور والنوم أخو الموت والخارجون من منازلهم صباحا منهم من يذهب لنضرة وسرور ومنهم من يكون من مطالبة من ديون فى غموم وشرور الى أحوال أخر تكون للعباد هى أشبه شىء بما يكون لهم فى المعاد وفى تفسير القاضى أن لفظ الرب ههنا أوقع من سائر الاسماء أى التى يجوز أضافتها ال الفلق عالى ماقيل لان الاعاذة من المضار تربية وهو على تعميم الفلق ظاهر لشموله للمستعيذ والمستعاذ منه وعلى تخصيصه بالصبح قيل لانه مشعر بانه سبحانه قادر مغير للاحوال مقلب للاطوار فيزيل الهموم والاكدار وقال الرئيس أبن سينا بعد أن حمل الفلق على ظلمة العدم المفلوقة بنور الوجود ان فى ذكر الرب سرا لطيفا من حقائق العلم وذلك أن المربوب لايستغنى فى شىء من حالاته عن الرب كما يشاهد فى الطفل مادام مربوبا ولما كانت الماهيات الممكنة غير مستغنية عن أضافة المبدأ الأول لاجرم ذكر لفظ الرب للاشارة الى ذلك وفيه أشارة أخرى من خفيات العلوم وهو أن العوذ والعياذ فى اللغة عبارة عن الالتجاء الى الغير فلما أمر بمجرد الالتجاء الى الغير وعبر عنه بالرب دل ذلك على أن عدم الحصول ليس بأمر يرجع الى المستعاذ به المفيض للخيرات بل لامر يرجع الى قابلها فان من المقرر انه ليس شىء من الكمالات وغيرها مبخولا به من جانب المبدأ الأول سبحانه بل الكل حاصل موقوف على ان يصرف المستعذ جهة قبوله اليه وهو المعنى بالاشارة النبوية ان لربكم فى أيام دهركم نفحات من رحمته الا فتعرضوا لها بين ان نفحات الالطاف دائمة وانما الخلل من المستذ انتهى وفى رواية عن ابن عباس أيضا وجماعة من الصحابة والتابعين ان الفلق جب فى جنهم وأخرج ابن مردويه والديلمى عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن قول الله عز و جل قل أعوذ برب الفلق قال هو سجن فى جهنم يحبس فيه الجبارون والمتكبرون وان جهنم لتعوذ بالله تعالى منه وأخرج بن مردويه عن عمر بن عنبسة قال صلى الله تعالى عليه وسلم فقرأ قل أعوذ برب الفلق فقال ياأبن عنبسة أتدري ما الفلق قلت الله ورسوله أعلم قال بئر فى جهنم فاذا سعرت البئر فمنها تسعر جهنم لتتاذى منه كما يتاذى ابن آدم من جهنم وأخرج جرير وأبن أبى حاتم عن كعب قال الفلق بيت فى جهنم اذا فتح صاح أهل النار من شدة حره وعن الكلبى أنه واد فى جهنم وقيل انه هو جهنم وهو على مافى الكشاف من قولهم لما اطمأن من الارض الفلق والجمع فلقان كخلق وخلقان وتخصيصه بالذكر قيل لانه مسكن اليهود فعن بعض الصحابة أنه قدم الشام فرأى دور أهل الذمة وماهم من خفض العيش وما وسع عليهم من دنياهم فقال لاأبالى أليس من ورائهم الفلق وفسر بما روى آنفا عن كعب ومنهم الذى سحر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ففى تعليق العياذ بالرب مضافا اليه عدة كريمة باعاذته صلى الله تعالى عليه وسلم من شرهم ولايخفى ان هذا مما لايثلج الصدر وأظن ضعف الاخبار السالفة ويترجح نظرى المعنى الاول للفلق من شر ماخلق أى من شر الذى خلقه من الثقلين وغيرهم كائنا ماكان من ذوات الطباع والاختيار والظاهر عموم الشر للمضار البدنية وغيرها وزعم بعضهم أن الاستعاذة ههنا من المضار البدنية وانها تعم الانسان وغيره مما ليس بصدد الاستعاذة ثم جعل عمومها مدار أضافة الرب الى الفلق بالمعنى العام وهو كما ترى نعم الذى يتبادر الى الذهن ان عمومه لشرور الدنيا وقال بعض الافاضل هو عام لكل شر فى الدنيا والآخرة وشر الأنس والجن والشيطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل وظاهره تعميم ما خلق بحيث يشمل