كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

من حيث انها تزيد في المقدار من جميع جهاته الطول والعرض والعمق فكانها تنفث فى العقد الثلاث ولما كانت العلاقة بين النفس الانسانبة والقوى النباتية بواسطة الحيوانية لاجرم قدم ذكر القوى الحيوانية على القوة النباتية والشر اللازم من هاتين القوتين فى جوهر النفس هو استحكام علائق البدن وامتناع تغذيها بالغداء الموافق لها واللائق بجوهرها وهو الاحاطة بملكوت السماوات والأرض والانتقاش بالنقوش الباقية وعنى بقوله تعالى ومن شر حاسد اذا حسد النزاع الحاصل بين البدن وقواه وبين النفس فالحاسد هو البدن من حيث له القوتان والمحسود هو النفس فالبدن وبال عليها فما أحسن حالها عند الاعراض عنه وما أعظم لذتها بالمفارقة ان لم تكن تلوثت منه وقيل الغاسق اشارة الى المعدن والنفاثات الى النباتات والحاسد الى الحيوان ولما كان الانسان لايتضرر عن الاجسام الفلكية وامنا يتضرر عن الاجسام العنصرية وهى اما معدن أو نبات أو حيوان أمر بالاستعاذة من شر كل منها وكلا القولين كما ترى والله تعالى أعلم
سورة الناس
وتسمى ماقبلها كما أشرنا اليه قبل بالمعوذتين بكسر الواو والفتح خطأ وكذا بالمقشقشتين وتقدم الكلام فى أمر مكيتها ومدنيتها وهى ست آيات لاسبع وان أختار بعضهم بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ وقرىء فى السورتين بحذف الهمزة ونقل حركتها الى اللام كما قرىء فخذ أربعة برب الناس أي مالك امورهم ومربيهم بافاضة مايصلحهم ودفع ما يضرهم وأمال الناس هنا أبو عمرو والدورى عن الكسائى وكذا فى كل موضع وقع فيه مجرورا ملك الناس عطف بيان على ماأختاره الزمخشرى جىء به لبيان ان تربيته تعالى اياهم ليست بطريق تربية سائر الملاك لما تحت أيديهم من مماليكهم بل بطريق الملك الكامل والتصرف الكلى والسلطان القاهر وكذا قوله تعالى اله الناس فانه لبيان أن ملكه تعالى ليس بمجرد الاستيلاء عليهم والقيام بتدبير أمور سياستهم والتولى لترتيب مبادىء حفظهم وحمايته كما هو قصارى أمر الملوك بل هو بطريق المعبودية المؤسسة على الالوهية المقتضية للقدرة التامة على التصرف الكلى فيهم احياء واماتة وايجادا واعداما وجوزت البدلية أيضا وأنت تعلم أنه لامانع منه عقلا ثم ماهنا وان لم يكن جامدا فهو فى حكمه ولعل الجزالة دعت الى اختياره وتخصيص الاضافة الى الناس مع انتظام جميع العالم في سلك ربويته تعالى وملكوته والوهيته على مافى الارشاد للارشاد الى منهاج الاستعاذة الحقيقية بالاعاذة فان توسل العائذ بربه وانتسابه اليه بالمربوبية والمملوكية والعبودية ضمن جنس هو فرد من أفراده من دواعى مزيد الرحمة والرأفة وأمره تعالى بذلك من دلائل الوعد الكريم بالاعاذة لامحالة ولان المستعاذ منه شر الشيطان المعروف بعداوتهم ففى التنصيص على انتظامهم فى سلك عبوديته تعالى وملكوته رمز الى انجائهم من ملكة الشيطان وتسلطه عليهم حسبما ينطق به تعالى ان عبادى ليس لك عليهم سلطان واقتصر بعض الاجلة فى بيان وجه التخصيص على كون الاستعاذة هنا من شر مايخص النفوس البشرية وهى الوسسوسة كما قال تعالى من شر الوسواس وبحث فيه بعض الاغماض عما فيه القصور فى توفية المقام حقه بأن شر الموسوس كما يلحق النفوس يلحق الابدان أيضا وفيه شىء سنشير ان شاء الله تعالى اليه واختار هذا الباحث فى ذلك أنه

الصفحة 285