كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

لما كانت الاستعاذة فيما سبق من شر كل شيء أضيف الرب الى كل شىء أى بناء على عموم الفلق ولما كانت هنا من شر الوسواس لم يضف الى كل شىء وكان النظر الى السورة السابقة يقتضى الاضافة الى الوسواس لكنه لم يضف اليه حطا لدرجته عن اضافة الرب اليه بل الى المستعيذ وكان فى هذا الحط رمزا الى الوعد بالاعاذة وهو الذى لما يجعل لما ذكر حظا فى أداء حق المقام وربما يقال ان فى اضافة الرب الى الناس فى لآخر سورة من كتابه تذكير الأول أمر عرفوه فى عالم الذر وأخذ عليهم العهد بالاقرار به فيما بعد كما أشار الى قوله تعالى واذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى الآية فيكون فى ذلك تحريض على الاستعاذة من شر الوسواس لئلا يتدنس أمر ذلك العهد وفيه أيضا رمز الى الوعد الكريم بالاعاذة وذكر القاضى أن فى النظم الجليل اشعارا بمراتب الناظر المتوجه لمعرفة خالقه فانه يعلم أولا بما يرى عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا ثم يتغلغل فى النظر حتى يتحقق أنه سبحانه غنى عن الكل وذات كل شىء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستعذ للعبادة لاغير ويندرج فى وجوه الاستعاذتة المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات فان عادة من ألم به هم أن يرفع أمره الى لسيده ومربيه كوالده فان لم يقدر على رفعه لملكه وسلطانه فان لم يزل ظلامته شكاه الى ملك الملوك ومن اليه المشتكى والمفزع وفى ذلك اشارة الى عظم الآفة المستعاذ منها ولابن سينا ههنا كلام تتحرج منه الاقلام كما لايخفى على من ألم به وكان له بالشريعة المطهرة أدنى ألمام وتكرير المضاف اليه لمزيد الكشف والتقرير والتشريف بالاضافة وقيل لاتكرار فانه يجوز ان يراد بالعام بعض أفراده فالناس الأول بمعنى الاجنة والاطفال المحتاجين للتربية والثانى الكهول والشبان لانهم المحتاجون لمن يسوسهم والثالث والشيوخ المتعبدون المتوجهون لله تعالى وهو على مافيه يبعده حديث اعادة الشىء معرفة وان كان أغلبيا والوسواس عند الزمخشرى اسم مصدر بمعنى الوسوسة والمصدر بالكسر وهو صوت الحلى والهمس الخفى ثم استعمل فى الخطرة الردية وأريد ههنا الشيطان سمى بفعله مبالغة كانه نفس الوسوسة أو الكلام على حذف مضاف أى ذى الوسواس وقال بعض أئمة العربية ان فعلل ضربان صحيح كدحرج وثنائى مكرر كصلصل ولهما مصدران مطردان فعللة وفعلال بالكسر وهو أقيس والفتح شاذ لكنه كثر فى المكرر كتمتام وفأفأة ويكون للمبالغة كفعال فى الثلاثى كما قالوا وطواط للضعيف وثرثار للمكثر والحق أنه صفة فليحمل عليه ما فى الآية الكريمة من غير حاجة الى التجوز أو حذف المضاف وقد تقدم فى سورة الزلزال مايتعلق بهذا المبحث فتذكر فما فى العهد من قدم والظاهر ان المراد الاستعاذة من شر الوسواس من حيث هو وسواس ومآله الى الاستعاذة من شر وسوسته وقيل المراد الاستعاذة من جميع شروره ولذا قيل من شر الوسواس ولم يقل من شر وسوسة الوسواس قيل وعليه يكون القول بأن شره يلحق البدن كما يلحق النفس أظهر منه على الظاهر وعد من شره انه كما فى صحيح البخارى يعقد على قافية رأس العيد اذا نام ثلاث عقد مراده بذلك منعه من اليقظة وفى وعد هذا من الشر البدنى خفاء وبعضهم عد من التخبط اذا لحق عند أهل السنة انه قد يكون من مسه كما تقدم فى موضعه وقوله تعالى الخناس صيغة مبالغة أونسبة أى الذى عادته أن يخنس ويتأخر اذا ذكر الانسان ربه عز و جل أخرج الضياء فى المختارة والحاكم وصححه وابن منذر وغيرهم عن ابن عباس قال مامن مولود يولد الا على قلبه الوسواس فاذا عقل فذكر الله تعالى خنس فاذا غفل وسوس وله على ماروى قتادة خرطوم كخرطوم الكلب ويقال ان رأسه كرأس الحية وأخرج ابن شاهين عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله

الصفحة 286