كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

تعالى عليه وسلم يقول أن للوسواس خطما كخطم الطائر فاذا غفل ابن آدم وضع ذلك المنقار فى أذن القلب يوسوس فإن ذكر الله تعال نكص وخنس فلذلك سمى الوسواس الخناس الذى يوسوس فى صدور الناس قيل أريد قلوبهم مجازا وقال بعضهم ان الشيطان يدخل الصدر الذى هو بمنزلة الدهليز فليقى مايريد ألقاءه الى القلب ويوصله اليه ولامانع عقلا من دخوله فى جوف الانسان وقد ورد السمع كما سمعت فوجب قبوله والايمان به ومن ذلك ان الشيطان ليجرى من ابن آدم مجرى الدم ومن الناس من حمله على التمثيل وقال فى الآية انها لاتقتضى الدخول كما ينادى عليه البيان الآتى وقال ابن سينا الوسواس القوة التى توقع الوسوسة وهى القوة المتخيلةبحسب صيرورتها مستعملة للنفس الحيوانية ثم أن حركتها تكون بالعكس فان النفس وجهتها الى المبادى المفارقة فالقوة المتخيلة اذا أخذتها الا الاشتغال بالمادة وعلائقها فتلك القوة تخنس خناسا ونحوه ماقيل انه القوة الوهمية فهى تساعد العقل فى المقدمات فاذا آل الامر اللى النتيجة خنست وأخذت توسوسه وتشككه ولايخفى ان تفسير الكلام الله تعالى بامثال ذلك من شر الوسواس الخناس والقاضى ذكر الاخير عن سبيل التنظير لا على وجه التمثيل والتفسير بناء على حسن الظن به ومحل الوصول اما الجر على الوصف واما الرفع والنصب على الذم والشتم ويحسن أن يقف القارىء على أحد هذين الوجهين على الخناس وأما على الاول ففى الكواشى أنه لايجوز الوقف وتعقبه الطيبى بان فى عدم الجواز نظر للفاصلة وفى الكشف انه اذا كان صفة فالحسن غير مسلم اللهم الا على وجه وهو أن الوقف الحسن شامل لمثله فى فاصلة خاصة من الجنة والناس بيان للذى يوسوس على أنه ضربان جنى وأنسى كما قال تعالى شياطين الآنس والجن أو متعلق بيوسوس ومن لابتداء الغاية أى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن مثل أن يلقى فى قلب المرء من جهتهم انهم ينفعون ويضرون ومن جهة الناس مثل ان يلقى فى من جهة المنجمين والكهان انهم يعلمون الغيب وجوز فيه الحالية من ضمير يوسوس والبدلية من قوله تعالى من شر باعادة الجار وتقدير المضاف والبدلية من الوسواس على أن من تبضيعية وقال الفراء وجماعة انه بيان للناس بناء على أيه يطلق على الجن أيضا فيقال كما نقل عن الكلبى ناس من الجن كما يقال نفر ورجال منهم وفيه أن المعروف عند الناس خلافه مع فى ذلك من شبه جعل قسم الشىء قسيما له ومثله لايناسب بلاغة القرآن وان سلم صحته وتعقب أيضا بانه يلزم عليه القول بان الشيطان يوسوس فى صدور الانس ولم يقم دليل عليه ولايجوز جعل الآية دليلا لما يخفى وأقرب منه على ماقيل أن يراد بالناس الناسى بالياء مثله فى قراءة بعضهم من حيث أفاض الناس بالكسر ويجعل سقوط الياء كسقوطها فى قوله تعالى يوم يدع الداع ثم يبين بالجنة والناس فان كل فرد من أفراد الفريقين مبتلى بنسيان حق الله تعالى الا من تداركه شوافع عصمته وتناوله واسع رحمته جعلنا الله ممن نال عصمته احظ والاوفى وكال له مولاه من رحمته فأوفى ثم أنه قيل أن حروف هذه السورة غير المكرر اثنان وعشرون حرفا وكذا حروف الفاتحة وذالك بعدد السنين التى أنزل فيها القرآن فليراجع وبعد أن يوجد الأمر كما ذكر لايخفى كون سنى النزول اثنتى وعشرين سنة قول لبعضهم والمشهور انها ثلاث وعشرون اه ومثل هذا الرمز ماقيل أن أول حروفه الباء وآخرها السين فكأنه قيل بس أى حسب ففيه اشارة الى أنه كاف عما سواه ورمزالى قوله تعالى مافرطنا فى الكتاب من شىء وقد نظم ذلك بعض الفرس فقال

الصفحة 287