كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
إثبات الألف أضعف اللغتين وعليه قوله على ما قام يشتمني لئيم
كخنزير تمرغ في رماد والأستفهام للإيذان بفخامة شأن المؤل عنه وهوله وخروجه عن دود الأجناس المعهودة أي عن أي شيء عظيم الشأن يتساءلون الضمير لأهل مكة وإن لم يسبق ذكرهم للأستغناء عنه بحضورهم حسا مع ما في الترك على ما قيل والإهانة لأشعاره بأن ذكرهم مما يصان عنه ساحة الذكر الحكيم ولا يتوهم العكس لمنع المقام عنه يتساءلون عن البعث فيما بينهم ويخوضون فيه إنكارا واستهزاء لكن لا على طريقة التساؤل على حقيقته ومسماه بل على وقوعه الذي هول حال من أحواله ووصف من أوصافه وما كما مر غير مرة وأن اشتهرت في طلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها لكنها قد يطلب بها الصفة والحال فيقال ما زيد ويجاب بعالم أو طبيب وقيل كانوا يتساءلون الرسول صلى الله عليه و سلم والمؤمنين استهزاء فالتساؤل متعد ومفعوله مقدر هنا وحذف لظهوره أو لأن المستعظم السؤال بقطع النظر عمن سأل أو لصون المسؤل عن ذكره مع هذا السائل وتحقيق ذلك على ما في الأرشاد أن صيغة التفاعل في الأفعال المتعدية لأفادة صدور الفعل عن المتعدد ووقوعه عليه بحيث يصير كل واحد من ذلك فاعلا ومفعولا معا لكنه يرفع المتعدد على الفاعلية ترجيحا لجانب فاعليته وتحال مفعوليته على دلالة الفعل كما في قولك تراءى القوم أي رأى كل واحد منهم الآخر وقد تجرد عن المعنى الثاني فيراد بها مجرد صدور الفعل عن المتعدد عاريا عن اعتبار وقوعه عليه فيذكر للفعل حينئذ مفعول كما في قولك تراأوا الهلال وقد يحذف كما فيما نحن فيه فالمعنى عن أي شيء يسأل هؤلاء القوم الرسول صلى الله عليه و سلم والمؤمنين وربما تجرد عن صدور الفعل عن المتعدد أيضا فيراد تعدده باعتبار تعدد متعلقه مع وحدة الفاعل كما في قوله تعالى فبأي آلاء ربك تتمارى وذكر بعض المحققين أنه قد يكون لصيغة التفاعل على الوجه الأول مفعول أيضا لكنه غير الذي فعل به مثل فعله كما في تعاطيا الكاس وتفاوضا الحديث وعليه قول امريء القيس فلما تنازعنا الحديث وأسمحت
هصرت بغصن ذي شماريخ ميال فمن قال أن تفاعل لا يكون إلا من اثنين ولا يكون إلا لازما فقد غلظ كما قال الطبليوسي في شرح أدب الكاتب أن أراد ذلك على الإطلاق وليت شعري كيف يصح ذلك مع أن مجيء تفاعل بمعنى فعل غير متعدد الفاعل كتوان وتدان الأمر وتعال الله عما يشركون جدا وكذا مجيئه متعديا إل غير الذي فعل به مثل فعله كما سمعت وجوز أن يكون ضمير يتساءلون للناس عموما سواء كانوا كفار مكة وغيرهم من المسلمين وسؤال المسلمين ليزدادوا خشية وإيمانا وسؤال غيرهم استهزاء ليزدادوا كفرا وطغيانا وهو خلاف ما يقتضيه ظاهر الآيات بعد وقيل كان التساؤل عن القرآن وتعقب بأن قوله تعالى ألم نجعل الأرض الخ ظاهر في أنه كان عن البعثوهو مروي عن قتادة أيضا لأنه من أدلته وأجيب بأن تساؤلهم عنه واستهزاؤهم به واختلافهم فيه بأنه سحر أو شعر كان لاشتماله على الأخبار بالبعث فبعد أن ذكر ما يفيد استعظام التساؤل عنه تعرض الدليل ما هو منشأ لذلك التساؤل وفيه بعد وقوله تعالى عن النبإ العظيم بيان لشأن المسؤل عنه أثر تفخيمه بإبهام أمره وتوجيه أذهان السامعين نحوه وتنزيلهم منزلة المستفهمين فإن إيراده على طريقة الأستفهام من علام الغيوب للتنبيه على أنه لانقطاع قرينه وانعدام نظيره خارج عن دائرة علوم الخلق خليق بأن يعتني بمعرفته ويسأل عنه كأنه قيل عن أي شيء يتساءلون هل أخبركم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم على
الصفحة 3
294