كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

تكون خطابا لسيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم أو لكل راء كقوله تعالى ولو ترى إذ المجرمون أي لمن تراه من الكفار وقرأ أبو نهيك وأبو السمال وهارون عن أبي عمرو وبرزت مبنيا للمفعول مخففا وقوله تعالى فأما من طغى الخ جواب إذا على أنها شرطية لا ظرفية كما جوز على طريقة قوله تعالى فأما يأتينكم مني هدى الآية وقولك إذا جاءك بنو تميم فأما العاصي فأهنه وأما الطائع فأكرمه واختاره أبو حيان وقيل جوابها محذوف كأنه قيل فإذا جاءت وقع ما لا يدخل تحت الوصف وقوله سبحانه فأما الخ تفصيل لذلك المحذوف وفي جعله جوابا غموض وهو وجه وجيه بيد أنه لا غموض في ذاك بعد تحقق استقامة أن يقال فإذا جاءت فإن الطاغي الجحيم مأواه وغيره في الجنة مثواه وزيادة أما لم تفد إلا زيادة المبالغة وتحقيق الترتب والثبوت على كل تقدير وقيل هو محذوف لدلالة ما قبل والتقدير ظهرت الأعمال ونشرت الصحف أو يتذكر الإنسان ما سعى أو لدلالة ما بعد والتقدير انقسم الراؤن قسمين وليس بذاك أي فأما من عنا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان حتى كفر وآثر أي اختار الحياة الدنيا الفانية التي هي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة فإن الجحيم التي ذكر شأنها هي المأوى أي مأواه على ما رآه الكوفيون من أن ألأفي مثله عوض عن المضاف إليه الضمير وبها يحصل الربط أو المأوى له على رأي البصريين من عد كونها عوضا ورابطا وهذا الحذف هنا للعلم بأن الطاغي هو صاحب المأوى وحسنه وقوع المأوى فاصلة وهو الذي اختاره الزمخشري وهي أما ضمير فصل لا محل له من الإعراب أو ضمير جهنم مبتدأ والكلام دال على الحصر أي كأنه قيل فإن الجحيم هي مأواه أو المأوى له لا مأوى له سواها وأما من خاف مقام ربه أي مقامه بين يدي مالك أمره يوم الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى على أن الإضافة مثلها في رقود حلب أو وأما من خاف ربه سبحانه على أن لفظ مقام مقحم والكلام معه كناية عن ذلك وإثبات للخوف من الرب عز و جل بطريق برهاني بليغ نظير ما قيل في قوله تعالى أكرمي مثواه وتمام الكلام في ذلك قد تقدم في سورة الرحمن ونهى النفس عن الهوى أي زجرها وكفها عن الهوى المردي وهو الميل إلى الشهوات وضبطها بالصبر والتوطيب على إيثار الخيرات ولم يعتد بمتاع الدنيا وزهرتها ولم يغتر بزخارفها وزينتها علما بوخامة عاقبتها وعن ابن عباس ومقاتل أنه الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب بين يدي ربه سبحانه فيخاف فيتركها وأصل الهوى مطلق الميل وشاع في الميل إلى الشهوة وسمى بذلك على ما قال الراغب لأنه يهوى بصاحبه في الدنيا إلى كل واهية وفي الآخرة إلى الهاوية ولذلك مدح مخالفه قال بعض الحكماء إذا أردت الصواب فانظر هواك غخالفه وقال الفضيل أفضل الأعمال مخالفة الهوى وقال أبو عمران الميرتلي فخالف هواها واعصها أن من يطع
هوى نفسه تنزع به شر منزع ومن يطع النفس اللجوجة ترده
وترم به في مصرع أي مصرع إلى غير ذلك وقد قارب أن يكون قبح موافقة الهوى وحسن مخالفته ضروريين إلا أن السالم من من الموافقة قليل سهل لا يسلم من الهوى إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبعض الصديقين فطوبى لمن سلم منه فإن الجنة هي المأوى له لا غيرها والظاهر أن هذا التفصيل عام في أهل النار وأهل الجنة وعن ابن عباس أن الآيتين نزلتا في أبي عزيز بن عمير وأخيه مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه كان الأول طاغيا مؤثر الحياة الدنيا وكان مصعب خائفا مقام ربه ناهيا النفس عن الهوى وقد وقى

الصفحة 36