كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
ضعيف يستحق الإقبال من مثله على أسلوب لا يقضي القاضي وهو غضبان وإن بتقدير حرف الجر أعني لام التعليل وهو معمول لأول الفعلين على مختار الكوفيين وثانيهما على مختار البصريين وكليهما معا على مذاهب الفراء نعم هو بحسب المعنى علة لهما بلا خلاف أي عبس لأن جاءه الأعمى وأعرض لذلك وقرأ زيد بن علي على عبس بتشديد الباء للمبالغة لا للتعدية وهو والحسن وأبو عمران الجوني وعيسى آن بهمزة بعدها وبعض القراء بهمزتين محققتين والهمزة في القراءتين للأستفهام الأنكاري ويوقف على تولي والمعنى إلا أن جاء الأعمى فعلى ذلك وضمير لعله للأعمى والظاهر أن الجملة متعلقة بفعل الدراية على وجه سد مسد مفعوله أي أي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى لعله يتطهر بما يتلقن من الشرائع من بعض أوضار الأثم أو يذكر أي يتعظ فتنفعه الذكرى أي ذكراك وموعظتك والمعنى أنك لا تدري ما هو مترقب منه من ترك أو تذكر ولو دريت لما كان الذي كان والغرض نفي دراية أنه يزكي أو يذكر والترجي راجع إلى الأعمى أو إلىالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم على ما قيل دلالة على أن رجاء تزكية أو كونه ممن يرجى منه ذلك كاف في الأمتناع من العبوس والإعراض كيف وقد كان استركاؤه ومحققا ولما هضم من حقه في تعلق الرجاء به لا التحقق اعتبر متعلق التزكي بعض الأوضار ترشيحا لذلك وفيه إظهار ما يقتضي مقام العظمة ههنا من إطلاق التزكي وحمله على ما ينطلق عليه الأسم لا الكامل وقال بعضهم متعلق الدراية محذوف أي ما يدريك أمره وعاقبة حاله ويطلعك على ذلك وقوله سبحانه لعله الخ استئناف وارد لبيان ما يلوح به ما قبله فإنه مع إشعاره بأن له شأنا منافيا للأعراض عنه خارجا عن دراية الغير ودرائه مؤذن بأنه تعالى يدريه ذلك واعتبر في التزكي الكمال فقال أي لعله يتطهر بما يقتبس منك من أوضار الأثم بالكلية أو يتذكر فتنفعه موعظتك أن لم تبلغ درجة التزكي التام ولعل الأول أبعد مغزى وقدم التزكي على التذكر لتقدم التخلية على التحلية وخص بعضهم بما إذا كان ما يتعلمه من النوافل والأول بما إذا كان سوى ذلك وهو كما ترى وفي الآية تعريض وإشعار بأن من تصدى صلى الله تعالى عليه وسلم لتزكيتهم وتذكيرهم من الكفرة لا يرجى منهم التزكي أصلا فهي كقولك لمن يقرر مسئلة لمن لا يفهمها وعنده آخر قابل لفهمها لعل هذا يفهم ما تقرر فإنه يشعر بأنه قصد تفهيم غيره وليس بأهل لما قصده وقيل جاء التعريض من جهة أن المحدث عنه كان متزكيا من الآثام متعظا وقيل ضمير لعله للكافر والترجي راجع إلى الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أي إنك طعمت في تزكيه بالإسلام وتذكره بالموعظة ولذلك أعرضت عن غيره فما يدريك أن ما طمعت فيه كائن وضعف بعدم تقدم ذكر الكافر وبإفراد الضمير والظاهر جمعه أي بناء على المشهور في أن من تشاغل عليه الصلاة و السلام به كان جمعا وجاء في بعض الروايات أنه كان واحدا وقرأ الأعرج وعاصم في رواية أو يذكر بسكون الذال وضم الكاف وقرأ الأكثر فتنفعه بالرفع عطفا على يذكر وبالنصب قرأ عاصم في المشهور والأعرج وأبو حيوة وابن أبي عبلة والزعفراني وهو عند البصريين بإضمار أن بعد الفاء وعند الكوفيين في جواب الترجي وهو كالتمني عندهم ينصب في جوابه وفي الكشف أن النصب يؤيد رجوع ضمير لعله علىالكافر لا شمام الترجي معنى التمني لبعد المرجو من الحصول أي بالنظر إلى المجموع إذ قد حصل من العباس وعلى السابق وجهه ترشيح معنى الهضم فتذكر أما من استغنى أي عن الإيمان وعما عندك من العلوم والمعارف التي ينطوي عليها القرآن وفي معناه ما قيل استغنى لكفره عما يهديه وقيل أي وأما من كان ذا ثروة وغنى وتعقب بأنه لو كان كذلك لذكر الفقر في مقابله وأجيب بما ستعمله إن شاء الله تعالى فأنت له تصدى أي تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه والأهتمام بإرشاده واستصلاحه وفيه مزيد تنفير له صلى الله تعالى عليه وسلم عن مصاحبتهم