كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
لا أصل له ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد اراد الأقتباس لا جاهلي وجوز بعضهم أن يكون قوله تعالى قتل الإنسان خبرا عن أنه سيقتل الكفار بإنزال آية القتال وعبر بالماضي مبالغة في أنه سيتحقق ذلك وليس بشيء ونحوه ما قيل أن ما استفهامية أي أي شيء أكفره أي جعله كافرا بمعنى لا شيء يسوع له أن يكفر وقوله تعالى من أي شيء خلقه شروع فيبيان إفراطه في الكفران بتفصيل ما أفاض عز و جل عليه من مبدأ فطرته إلى منتهى عمره من فنون النعم الموجبة لأن تقابل بالشكر والطاعة من إخلاله بذلك والستفهام قيل للتحقير وذكر الجواب أعني قوله تعالى مننطفة خلقه لا يقتضي أنه حقيقي لأنه ليس بجواب في الحقيقة بل على صورته وهو بدل من قوله سبحانه من أي شيء خلقه وجوز أن يكون للتقرير والتحقير مستفاد من شيء المنكر وقيل التحقير يفهم أيضا من قوله سبحانه مننطفة الخ أي من أي شيء حقير مهين خلقه من نطفة مذرة خلقه فقدره فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والأشكال فالتقدير بمعنى التهيئة لما يصلح ولذا ساغ عطفه بالفاء دون التسوية لأن الخلق بمعنى التقدير بهذا المعنى أو يتضمنه فلا تصلح الفاء وجوز أن يكون هذا تفصيلا لما أجمل أولا في قوله تعالى من أي شيء خلقه أي فقدره أطوار إلى أن أتم خلقه ثم السبيل يسره أي ثم سهل مخرجه من البطن كما في رواية عن ابن عباس بأن فتح فم الرحم ومدد الأعصاب في طريقه ونكس رأسه لأسفل بعد أن كان في جهة العلو وعن ابن عباس أيضا وقتادة وأبي صالح والسدي المراد بالسبيل سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان وتيسيره له هو هبة العقل وتمكينه من النظر وقال مجاهد والحسن وعطاء وهو رواية عن الحبر أيضا هو سبيل الهدى والضلال أي سهل له الطريق الذي يريد سلوكه من طريق الخير والهدى وطريق الشر والضلال بأن أقدره عز و جل على كل ومكنه منه والأقدار على المراد نعمة ظاهرة بقطع النظر عن خيريته وشريته فلا يرد عليه أنه كيف يعد تسهيل طريق الشر والضلال من النعم وقيل أنه عد منها لأنه لو لم يكن مسهلا كسبيل الخير لم يستحق المدح والثواب بالأعراض عنه وتركه وهو مبني على القول بأن ترك المحرم كالزنا مع عدم القدرة عليه لغة مثلا لا يثاب عليه وقيل يثاب ويمدح عليه إذا قدر التارك في نفسه أنه لو تمكن لم يفعل وقال بعضهم العجز عن الشر نعمة وأنشد جكونه شكر ابن نعمت كزارم
كه زور مر دم أزاري ندارم ونصب السبيل بمضمر يفسره الظاهر وفيه مبالغة في التيسير وتمكين في النفس بسبب التكرير قيل وفي تعريفه باللام دون الإضافة إشعار بعمومه فإنه لو قيل سبيله أوهم أنه على التوزيع وأن لكل إنسان سبيلا يخصه وخص بعضهم هذه النكتة بالمعنى الأخير للسبيل فتدبر وعلى هذا المعنى قيل إن فيه إيماء إلى أن الدنيا طريق والمقصد غيرها لما أشعرت به الآية من أن الميسر سبيل المكلفين الذي يترتب عليه الثواب والعقاب وفيه خفاء وأيا ما كان فالضمير المنصوب في يسره للسبيل وليس في التفكيك لبس حتى يكون نقصا في البيان ثم أماته فأقبره أي جعله ذا قبر توارى فيه جيفته تكرمة له يجعله مطروحا على الأرض يستقذره من يراه وتقتسمه السباع والطير إذا ظفرت به كسائر الحيوان والمراد من جعله إذا قبر أمره عز و جل بدفنه يقال قبر الميت إذا دفنه بيده ومنه قول الأعشى لو أسندت ميتا إلى نحرها
عاش ولم ينقل إلى قابر وأقبره إذا أمر بدفنه أو مكن منه ففي الآية إشارة إلى مشروعية دفن الإنسان وهي مما لا خلاف فيه وأما دفن غيره من الحيوانات فقيل هو لا مكروه وقد يطلب لأمر مشروع يقتضيه كدفع أذى جيفته مثلا وعد الإماتة