كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
تكونه كالمشتمل عليه والعائد محذوف أي صببنا له وجوز كونه بدل كل من كل على معنى فلينظر الإنسان إلى أنعامنا في طعامه أنا صببنا الخ وهو كما ترى وأيا ما كان فالمقصود بالنظر هو البدل وبذلك يضعف ما روي عن أبي وابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم أن المعنى فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعا ليتأمل عاقبة الدنيا وما تهالك عليه أهلها ولعمري أن هذا بعيد الإرادة عن السياق ولا أظن أنه وقع على صحة روايته عن هؤلاء الأجلة الأتفاق وظاهر الصب يقتضي تخصيص الماء بالغيث وهو المروي عن ابن عباس وجوز بعضهم إرادة الأعم وقال أن في كل ماء صبا من الله تعالى بخلق أسبابه على أصول النباتات وأنت تعلم أن إيصال الماء إلى أصول النباتات يبعد تسميته صبا وتأكيد الجملة للأعتناء بمضمونها مع كونها مظنة لأنكار القاصر لعدم الأحساس بفعل من الله تعالى وإنما يعرف الستناد إليه عز و جل بالنظر الصحيح وقرأ الأكثر إنا بالكسر على الأستئناف البياني كأنه لما أمر سبحانه بالنظر إلى ما رزقه جل وعلا من أنواع المأكولات قيل كيف أحدث ذلك وأوجد بعد أن لم يكن فقيل أنا صببنا الخ وقرأ الإمام الحسين بن أمير المؤمنين علي كرم الله تعالى وجههما ورضي سبحانه عنهما أنى صببنا بفتح الهمزة والامالة على معنى فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء صبا عجيبا ثم شققنا الأرض أي بالنبات كما قال ابن عباس شقا بديعا لائقا بما يشقها من النبات صغرا وكبرا وشكلا وهيئة وقيل شقها بالكراب وإسناده إلى ضميره تعالى مجاز من باب الإسناد إلى السبب وإن كان الله تعالى عز و جل هو الموجد حقيقة فقد تبين في موضعه أن إسناد الفعل حقيقة لمن قام به لا من صدر عنه إيجادا ولهذا يشتق اسم الفاعل له وتعقب بأنه يأباه كلمة ثم والفاء في قوله تعالى فأنبتنا فيها حبا فإن الشق بالمعنى المذكور لا ترتب بينه وبين الأمطار أصلا ولا بينه وبين إنبات الحب بلا مهلة فإن المراد بالنبات ما نبت من الأرض إلى أن يتكامل وينعقد الحب فإن انشقاق الأرض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع إلى تلك المرتبة على أن مساق النظم الكريم لبيان النعم الفائضة من جنابه تعالى على وجه بديع خارج عن العادات المعهودة كما ينبيء منه أرداف الفعلين بالمصدرين فتوسيط فعل المنعم عليه في حصول تلك النعم مخل بالمرام وللبحث فيه مجال وقيل عليه أيضا أن الشق بالكراب لا يظهر في العنب والزيتون والنخل وأجيب بأنه ليس من لوازم العطف تقييد المعطوف بجميع ما قيد به المعطوف عليه ويحتمل أن يكون ذكر الكراب في القيل على سبيل التمثيل أو أريد به ما يشمل الحفر وجوز أن يكون المراد شقها بالعيون على أن المراد بصب الماء أمطار المطر وبهذا إجراء الأنهار وتعقب بأنه يأباه ترتب الشق على صب الماء بكلمة التراخي وأيضا ترتب الإنبات على مجموع الصب والشق بالمعنى المذكور لا يلائم قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا الآية لأشعاره باستقلال الصب وإنزال الغيث في ذلك ودفعا بأن ماء العيون من المطر لا من الأبخرة المحتسبة في الأرض ولا يخفى على ذي عين أن هذا الوجه بعيد متكلف والمراد بالحب جنس الحبوب التي يتقوت بها وتدخر كالحنطة والشعير والذرة وغيرها وعنبا معروف وقضبا أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال هو الفصفصة وقيدها الخليل بالرطبة وقال إذا يبست فهي ألقت وسميت بمصدر قضبه أي قطعة مبالغة كأنها لتكرلار قطعها وتكثره نفس القطع وضعف هذا من فسر الأب بما يشمل ذلك وقيل هو كل ما يقضب ليأكله ابن آدم غضا منالنبات كالبقول والهليون وفي البحر عن الحبر أنه الرطب وهو يقضب من النخل واستأنس له بذكره مع العنب ولا يخفى ما فيه وزيتونا ونخلا هما معروفان وحدائق رياضا غلبا أي عظاما وأصله جمع أغلب وغلباء صفة العنق وقد يوصف به الرجل لكن الأول هو الأغلب ومنه قول الأعشى