كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
عن لقائه بالعلم لوقوعه في معرض التساؤل والمعنى ليرتدعوا عما هم عليه فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال ومثل هذا تقدير المفعول جزاء التساؤل وقيل هو ما ينبيء عنه الظاهر وهو وقوع ما يتساءلون عنه علىى معنى سيعلمون ذلك فيخجلون من تساؤلهم واستهزائهم بين يدي ربهم عز و جل والألم يظهر كون ما ذكر وعيدا ومن جعل ضمير يتساءلون للناس عامة جعل ما هنا من باب التغليب لأنه لغير المؤمنين الجازمين به وجوز بعضهم كون كلا سيعلمون ردعا ووعدا على الرتداع والمراد ليرتدعوا فإنهم سيعلمون مثوبات الأرتداع وأنت تعلم أن ذلك شائع في الوعيد وهو المتبادر منه في أمثال هذه المقامات وقوله تعالى ثم كلا سيعلمون قيل تكرير لما قبله من الردع والوعيد للمبالغة وثم للتفاوت في الرتبة فكأنه قيل لهم يوم القيامة ردع وعذاب شديدان بل لهم يومئذ أشد وبهذا الأعتبار صار كأنه مغاير لما قبله فعطف عليه وابن مالك يقول في مثله أنه من التوكيد اللفظي وإن توسيط حرف العطف فلا تغفل وقيل الأول إشارة إلى ما يكون عند النزع وخروج الروح من زجر ملائكة الموت عليهم السلام وملاقاة كربات الموت وشدائده وانكشاف الغطاء والثاني إشارة إل ما يكون في القيامة من زجر ملائكة العذاب عليهم السلام وملاقاة شديد العذاب فثم في محلها لما بينهما من البعد الزماني ولا تكرار فيه والظاهر أن العطف عل هذا وما قبله عل مجموع كلا سيعلمون وتوهم بعضهم من كلام بعض الأجلة أن العطف عل سيعلمون وأورد عليه أن إذا كانت للتراخي الزماني يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي بخلاف ما إذا كانت للتراخي الرتبي ووجه الدفع التخصيص بلا مخصص أنه عل الثاني يفهم تفاوت الرتبة بين الردعين كتفاوتهما بين الوعيدين لتبعية الردع للوعيد فلا تكون كلا الثانية أجنبية بخلاف الأول فإن التراخي عليه إنما يتحقق فيما يتحقق فيه الزمان وليس هو إلا سيعلمون دون كلا فتكون هي أجنبية ثم قال ذلك المتوهم ولا يبعد أن يقال الردع الأول عن التساؤل والثاني عن الإنكار أي الصريح وتفاوت ما بينهما يقتضي العطف بثم والكل كما تر وقيل متعلق العلم في الأول البعث وفي الثاني الجزاء عل إنكاره وثم في محلها أي سيعلمون حقية البعث إذا بعثوا ثم كلا سيعلمون الجزاء عل إنكاره إذا دخلوا النار وعوقبوا وجوز أن يكون المتعلق مختلفا وثم للتراخي الرتبي بأن يكون المعنى سيعلم الكفار أحوالهم ثم سيعلمون أحوال المؤمنين والأول إشارة إلى العذاب الجسماني والقاني إلى العذاب الروحاني الذي هو أشد وأخزى وأن يكون فاعل سيعلم في الموضعين مختلفا بناء على أن ضمير يتساءلون للناس عامة لذلك أيضا بأن يكون المعنى سيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم ثم سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم فيكون الأول وعدا للمؤمنين والآخر وعيدا للكافرين وهما متفاوتان رتبة ولا يخفى عليك ما في ذلك وقرأ مالك بن دينار وابن مقسم والحسن وابن عامر ستعلمون في الموضعين بالتاء الفوقية على نهج الألتفات إلى الخطاب الموافق لما بعده من الخطابات تشديدا للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كلا ستعلمون الخ فإنه ليس بذاك وإن كان فيه نوع حسن على تقدير كون المراد يسألون النبي صلى الله عليه و سلم وعن الضحاك أنه قرأ الأول بتاء الخطاب والثاني بياء الغيبة وقوله تعالى ألم نجعل الأرض مهادا الخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ المتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيته أثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع وجوز أن يكون بتقدير قل كأنه قيل قل كيف تنكرون أو تشكون في البعث وقد عانيتم ما يدل عليه من القدرة التامة والعلم المحيط والحكمة الباهرة المقتضية أن لا يكون ما خلق عبثا وفيه أن من كان عظيم الشأن باهر القدرة ينبغي أن يخاف ويخشى ويتأثر من زجره ووعيده والهمزة للتقرير بما بعد النفي والمهاد الفراش الموطأ وفي القاموس المهد الموضع الذي يهيأ للصبي
الصفحة 5
294