كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء وزاد أحمد بن حنبل وحتى الذرة من الذرة ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين لعدم كونه مكلفا إلا أهلا للكرامة بوجه وليس في هذا الباب نص من كتاب أو سنة معمول عليها يدل على حشر غيرهما من الوحوش وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحا لكنه لم يخرج مخرج التفسير للآية ويجوز أن يكون كناية عن العدل التام وإلى هذا القول أميل ولا أجزم بخطأ القائلين بالأول لأن لهم ما يصلح مستندا فيالجملة والله تعالى أعلم وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون حشرت بالتشديد للتكثير وإذا البحار سجرت أي أحميت بأن تغيض مياهها وتظهر النار في مكانها ولذا ورد على ما قيل أن البحر غطاء جهنم أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى يكون مالحها وعذبها بحرا واحدا من سجر التنور إذا ملأه بالحطب ليحميه وقيل ملئت نيرانا تضطرم لتعذيب أهل النار وقيل ملئت ترابا تسوية لها بأرض المحشر وليس له مستند أثر عن السلف ونقل في البحر عن كتاب لغات القرآن إن سجرت بمعنى جمعت بلغة خثعم ولعل جمعها عليه بالتفخير وقال ابن عطية يحتمل أن يكون المعنى ملكت وقيد اضطرابها حتى لا يخرج عن الأرض من الهول ذلك مأخوذا من ساجور الكلب وهو خشبة تجعل في عنقه ويقال سجره إذا شده به وقرأ ابن كثير وأبو عمر وسجرت بالتخفيف وإذا النفوس زوجت أي قرنت كل نفس بشكلها أخرج جماعة منهم الحاكم وصححه عن النعمان بن بشير عن عمررض عنه أنه سئل عن ذلك فقال يقرن الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة ويقرن الرجل السوء مع الرجل السوء في النار فذلك تزويج الأنفس وفي حديث مرفوع رواه النعمان أيضا ما يقتضي ظاهره ذلك وقال بعض هذا في الموقف أن يقرن بين الطبقات الأنبياء ثم الأولياء ثم المثل فالأمثل وقال مقاتل بن سليمان تقرن نفوس المؤمنين بأزواجهم من الحور وغيرهم ونفوس الكافرين بالشياطين وقيل تقرن كل نفس بكتابها وقيل بعملها وجوز أن يراد تقرن كل نفس بخصمها فلا يمكنها الفرار منه وأنت تعلم أن كون كل نفس ذا خصم بين الأنتفاء وأيا ما كان فالنفس بمعنى الذات والتزويج جعل الشيء زوجا أي مقارنا وقال عكرمة والضحاك والشعبي تقرن النفوس بأزواجها وذلك عند البعث والنفس عليه بمعنى الروح وقرأ عاصم زوجت على فوعلت وإذا الموؤدة وهي البنت التي تدفن حية من الوأد وهو الثقل كأنها سميت بذلك لأنها تثقل بالتراب حتى تموت وقيل هو مقلوب الأود وحكاه المرتضى في درره عن بعض أهل اللغة وهو غير مرتضي عند أبي حيان وكانت العرب تئد البنات مخافة لحوق العار بهم من أجلهن وقيل مخافة الإملاق ولعله بالنسبة إلى بعضهم ومنهم من يقول الملائكة بنات الله سبحانه عما يقولون فألحقوا البنات به تعالى فهو عز و جل أحق بهن وذكر غير واحد أنه كان الرجل منهم إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها انظري فيها ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض وقيل كانت الحامل إذا قربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة فإذا ولدت بنتا رمت بها فيها وإن ولدت ابنا حبسته ورأيت إذ أنا يافع في بعض الكتب أن أول قبيلة وأدت من العرب ربيعة وذلك أنهم أغير عليهم فنهبت بنت لأمير لهم فاستردها بعد الصلح فخيرت برضا منه بين أبيها ومن هي عنده فاختارت من هي عنده وآثره على أبيها فغضب وسن لقومه الوأد ففعلوه غيرة منهم ومخافة أن يقع لهم بعد مثل ما وقع وشاع في العرب غيرهم والله تعالى أعلم بصحة ذلك وقرأ البزي في رواية المؤدة كمعونة فاحتمل أن يكون

الصفحة 52