كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

الكافر في يده في سموم وحميم أي مكتوب فيها ذلك وهي صحف غير صحف الأعمال وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي نشرت بالتشديد للمبالغة في النشر بمعنييه أو لكثرة الصحف أو لشدة التطاير وإذا السماء كشطت قلعت وأزيلت كما يكشف الأهاب عن الذبيحة والغطاء عن الشيء المستور به فأصل الكشط السلح واستعير هنا للأزالة وقرأ عبد الله قشطت بالقاف مكان الكاف واعتقابهما غير عزيز كالكافور والقافور وعربي قح وكح وإذا الجحيم سعرت أي أوقدت إيقادا شديدا قال قتادة سعرها غضب الله تعالى وخطايا بني آدم وقرأ جمع منهم علي كرم الله تعالى وجهه سعرت بالتخفيف وإذا الجنة أزلفت أي قربت من المتقين كقوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن أبي العالية أنه قال ست آيات من هذه السورة في الدنيا والناس ينظرون وست في الآخرة إذا الشمس كورت وإذا البحار سجرت هذه الدنيا وإذا النفوس زوجت إلى وإذا الجنة أزلفت هذه في الآخرة وأخرج ابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب أنه قال ست آيات قبل يوم القيامة بينما الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذا تكدرت النجوم فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت ففزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحش فماجوا بعضهم في بعض وأهملت العشار وقال الجن للإنس نحن نأتيكم بالخبر فانطلقوا إلى البحر فإذا هو نار تأجج فبينما هم كذلك إذ تصدعت الأرض صدعة واحدة فبينما هم كذلك غذ جاءتهم ريح فأماتتهم وقال بعضهم أن الست الأولى فيما بين النفختين وأنه مراد من قال أنها في الدنيا وقيل هي فيما قبل النفخة الأولى وما بعدها إلى النفخة الثانية فلا تغفل علمت نفس ما أحضرت جواب إذا على أنالمراد بها زمان واحد ممتد يسع الأمور المذكورة مبدؤه قبيل النفخة الأولى أو هي ومنتهاه فصل القضاء بين الخلائق لكن لا بمعنى أن النفس تعلم ما تعلم في كل جزء من أجزاء ذلك الوقت المديد أو عند وقوع داهية من تلك الدواهي بل عند نشر الصحف إلا أنه لما كان بعض تلك الدواهي منمباديه وبعضها منروادفه نسب علمها بذلك إلى زمان وقوع كلها تهويلا للخطب وتفظيعا للحال والمراد بما أحضرت أعمالها من الخير والشر وبحضور الأعمال أما حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها وأما حضور أنفسها على ما قالوا من أن العمال الظاهرة في هذه النشأة بصور عرضية تبرز في النشأة الآخرة بصور جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح على كيفيات مخصوصة وهيئات معينة حتى أن الذنوب والمعاصي تتجسم هنالك وتتصور وحمل على ذلك نحو قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وعن ابن عباس ما يؤيده ويؤيده أيضا حديث ذبح الموت ونحوه قيل ولا بعد في ذلك ألا يرى أن العلم يظهر في عالم المثال على صورة اللبن كما لا يخفى على من له خبرة بأحوال الحضرات الخمس وقد حكى عن بعض الأكابر أنهم يشاهدون في هذه النشأة الأعمال عند العروج بها إلى السماء وكان ذلك بنوع من التجسد فإسناد إحضارها إلى النفس مع أنها تحضر بأمر الله تعالى كما يؤذن به قوله تعالى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا الآية لأنها لما عملتها في الدنيا فكأنها أحضرتها في الموقف ومعنى علمها بها على التقدير الأول إطلاعها عليها مفصلة في الصحف بحيث لا يشذ عنها شيء كما ينبيء عنه قولهم مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعلى التقدير الثاني أنها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة فإن كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن مما كانت تدركها في الدنيا لأن الطاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقة وإن كانت سيئة تشاهدها على خلاف ما كانت عندها في الدنيا كانت مزينة لها موافقة

الصفحة 56