كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
بالكواكب عن الحسن وقتادة أيضا وأخرج ابن أبي حاتم عن الأمير كرم الله تعالى وجهه أنه قال هي خمسة أنجم زحل وعطارد والمشتري وبهرام يعني المريخ والزهرة والخنس الرواجع من خنس إذا تأخر ووصف بما ذكر في الآية لأنها تجري مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها بحسب الرؤية وكنوسها اختفاؤها تحت ضوئها وتسمى المتحيرة لاختلاف أحوالها في سيرها فيما يشاهد فلها استقامة ورجعة وإقامة فبينما تراها تجري إلى جهة إذا بها راجعة تجري إلى خلاف تلك الجهة وبينما تراها تجري إذا بها مقيمة لا تجري وسبب ذلك على ما قال المتقدمون من أهل الهيئة كونها في تداوير في حوامل مختلفة الحركات على ما بين في موضعه وللمحدثين النافين لما ذكر غير ذلك مما هو مذكور في كتبهم وهي مع الشمس والقمر يقال لها السيارات السبع لأن سيرها بالحركة الخاصة مما لا يكاد يخفى على أحد بخلاف غيرها من الثوابت وأخرج في كتاب النجوم وابن مردويه عن ابن عباس أنها المرادة هنا ووصفها بالخنس بمعنى الرواجع قيل من باب التغليب إذ لا رجعة للشمس ولا للقمر وبالخنس لاختفائها في مغيبها وقيل الوصفان باعتبار أنها تغيب عن العيون وتطلع في أماكنها على نحو ما تقدم على تقدير أن يكون المراد بها الكواكب جميعها وكون السيارات هي هذه السبع المعروف عند المتقدمين من المنجمين وأما اليوم فقد ضموا إليها كواكب أخرى يقال لها وستا وزونو وبأس وسرس واورنوس ويسمى هرشل وهو اسم المنجم الذي ظفر به بالرصد وبينوا مقدار أقطارها وأبعادها وحركاتها ولو لا مخافة التطويل لذكرت ذلك وعدلوا من جملة السيارات الأرض بناء على زعمهم أن لها حركة حول الشمس واشتهر أنهم لم يعدوا القمر منها لكونه من توابع الأرض بزعمهم وأخرج الحاكم وصححه وجماعة من طرق عن ابن مسعود أنها بقر الوحش وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وعبد بن حميد عن مجاهد وأبي ميسرة والحسن وحكاه في البحر عن النخعي وجابر ابن زيد وجماعة وأخرج ابن جرير عن الحبر أنها الظباء وروي ذلك أيضا عن ابن جبير والضحاك قالوا والخنس تأخر الأنف عن الشفة مع ارتفاع قليل من الأرنبة وتوصف به بقر الوحش والظباء ومنه قول بعض المولدين ما سلم الظبي على حسنه
كلا ولا البدر الذي يوصف فالظبي فيه خنس بين
والبدر فيه كلف يعرف والليل إذا عسعس أي أدبر ظلامه أو أقبل وكلاهما مأثوران عن ابن عباس وغيره وهو من الأضداد عند المبرد وقال الراغب العسعسة والعساس رقة الظلام وذلك في ظرفي الليل فهو من المشترك المعنوي عنده وليس من الأضداد وفسر عسعس هنا بأقبل وأدبر معا وقالذلك غي مبدأ الليل ومنتهاه وقال الفراء أجمع المفسرون على أنمعنى عسعس أدبر وعليه العجاج يصف الخمر أو المفازة حتى إذا الصبح لها تنفسا
واجاب عنها ليلها وعسعسا وقيل هي لغة قريش خاصة وقيل كونه بمعنى أقبل ظلامه أوفق بقوله تعالى والصبح إذا تنفس فإنه أول النهار فيناسب أول الليل وقيل كونه بمعنى أدبر أنسب بهذا لما بين أدبار الليل وتنفس الصبح من الملاصقة فيكون بينهما مناسبة الجوار والمراد من تنفس الصبح على ما ذكر غير واحد إضاءته وتبلجه وفي الكشاف أنه إذا أقبل الصبح أقبل بإقباله روح ونسيم فجعل ذلك نفسا على المجاز وقيل تنفس الصبح وعنى بالمجاز الأستعارة لأنه لما كان النفس ريحا خاصا يفرج عن القلب انبساطا وانقباضا شبه ذلك النسيم بالنفس وأطلق عليه الأسم استعارة وجعل الصبح متنفسا لمقارنته له ففي الكلام استعارة مصرحة وتجوز في الإسناد وظاهر