كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

بها من أول الخلق إلى آخر زمان التكليف وقيل لا يبعد أن يكون المراد قوة الحفظ والبعد عن النسيان والخلط عند ذي العرش مكين أي ذي مكانة رفيعة وشرف عند الله العظيم جل جلاله عندية إكرام وتشريف لا عندية مكان فالظرف متعلق بمكين وهو فعيل من المكانة وقد كثر استعمالها كما في الصحاح حتى ظن أنالميم من أصل الكلمة واشتق منه تمكن كما اشتق من المسكنة تمسكن وجوز أن يكون مصدرا ميميا منالكون وأصله مكون بكسر الواو فصار بالنقل والقلب مكينا وأريد بالكون الوجود كأنه من كمال الوجود صار عين الوجود والأول هو الظاهر وقيل أن الظرف متعلق بمحذوف وقع صفة أخرى لرسول أي كائن عند ذي العرش الكينونة اللائقة وهو كما ترى مطاع فيما بين الملائكة المقربين عليهم السلام يصدون عن أمره ويرجعون إلى رأيه ثم ظرف مكان للبعيد وهو يحتمل أن يكون ظرفا لما قبله وجعل إشارة إلى عند ذي العرش والمراد بكونه مطاعا هناك كونه مطاعا في ملائكته تعالى المقربين كما سمعت ويحتمل أن يكون ظرفا لما بعده أعني قوله سبحانه أمين والإشارة بحالها وأمانته على الوحي وفي رواية عنه عليه السلام أنه قال أمانتي أني لم أومر بشيء فعدوته إلى غيره ولامانته أنه عليه السلام يدخل الحجب كما في بعض الآثار بغير إذن وقرأ أبو جعفر وأبو حيوة وأبو البرهسم وابن مقسم ثم بضم الثاء حرف عطف تعظيما للأمانة وبيانالأنها أفضل صفاته المعدودة وقال صاحب اللوامح هي بمعنى الواو لأن جبريل عليه السلام كان بالصفتين معا في حال واحدة ولو ذهب ذاهب إلى الترتيب والمهلة في هذا العطف بمعنى مطاع في الملأ الأعلى على أمين عند انفصاله عنهم حال وحيه إلى الأنبياء عليهم السلام لجاز أن ورد به أثر انتهى والمعول عليه ما سمعت والمقام يقتضي تعظيم الأمانة لأن دفع كون القرآن افتراء منوط بأمانة الرسول وما صاحبكم هو رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بمجنون كما تبهته الكفرة قتلهم الله تعالى وفي التعرض لعنوان الصحبة مضافة إلى ضميرهم على ما هو الحق تكذيب لهم بألطف وجه إذ هو إيمان إلى أنه عليه الصلاة و السلام نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن فأنتم أعرف به وبأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أتم الخلق عقلا وأرجحهم قيلا وأكملهم وصفا وأصفاهم ذهنا فلا يسند إليه الجنون إلا من هو مركب من الحمق والجنون واستدل الزمخشري بالمبالغة في ذكر جبريل عليه السلام وتركها في شأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على أفضليته عليه السلام على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأجابوا بما بحث فيه والوجه في الجواب على ما في الكشف أن الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة وقد علمت أن من شأن البليغ أن يجرد الكلام لماسبق له لئلا يعد الزيادة لكنة وفضولا ولاخفاء أن وصف الآتي بالقول يشد من عضد ذلك أبلغ شد وأما وصف من أنزل عليه فلا مدخل له في البين إلا إذا كان الغرض الحث على اتباعه فلهذا لم تدل المبالغة في شأن جبريل عليه السلام وعد صفاته الكوامل وترك ذلك في شأن نبينا عليه أفضل الصلوات والتسليمات على تفضيله بوجه وقال بعضهم أن المبالغة في وصف جبريل عليه السلام مدح بليغ في حق النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأن الملك إذا أرسل لأحد من هو معزز معظم مقرب لديه دل على أن المرسل إليه بمكانه عنده ليس فوقها مكانة وقد علمت أن المقام ليس للمبالغة في مدح المنزل عليه وقيل المراد بالرسول هو نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم كالمراد بالصاحب وهو خلاف الظاهر الذي عليه الجمهور ولقد رآه أي وبالله تعالى لقد رأى صاحبكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الرسول الكريم جبريل عليه السلام على كرسي بين السماء والأرض بالصورة التي خلقه

الصفحة 60