كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا والكلام في ارتفاع السماء كما مر في ارتفاع الشمس وإذا الكواكب انتثرت أي تساقطت متفرقة وهو لإزالتها حيث شبهت بجواهر قطع سلكها وهي مصرحة أو مكنية وإذا البحار فجرت فتحت وشققت جوانبها فزال ما بينها من البرزخ واختلط العذب بالأجاج وصارت بحرا واحدا وروي أن الأرض تنشف الماء بعد امتلاء البحار فتصير مستوية أي في أن لا ماء وأريد أن البحار تصير واحدة أولا ثم تنشف الأرض جميعا فتصير بلا ماء ويحتمل أن يراد بالأستواء بعد النضوب عدم بقاء مغايض الماء لقوله تعالى لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وقرأ مجاهد والربيع بن خيثم والزعفراني والثوري فجرت بالتخفيف مبنيا للمفعول وعن مجاهد أيضا فجرت به مبنيا للفاعل بمعنى نبعت لزوال البرزخ من الفجور نظر إلى قوله تعالى لا يبغيان لأن البغي والفجور إخوان وإذا القبور بعثرت قلب ترابها الذي حتى على موتاها وأزيل وأخرج من دفن فيها على ما فسر به غير واحد وأصل البعثرة على ما قيل تبديد التراب ونحوه وهو إنما لأخراج شيء تحته فقد يذكر ويراد معناه ولازمه معا وعليه ما سمعت وقد يتجوز به عن البعث والأخراج كما في العادات حيث أسند فيها لما في القبور دونها كما هنا وزعم بعض أنه مشترك بين النبش والإخراج وذهب بعض الأئمة كالزمخشري والسهيلي إلى أنه مركب من كلمتين اختصارا ويسمى ذلك نحتا وأصل بعثر وأثير ونظيره بسمل وحمدل وحوقل ودمعز أي قال بسم الله والحمد لله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى وأدام لله تعالى عزه إلى غير ذلك من النظائر وهي كثيرة في لغة العرب وعليه يكون معناه النبش والأخراج معا واعترضه أبو حيان بأن الراء ليست من أحرف الزيادة وهو توهم منه فإنه فرق بين التركيب والنحت من كلمتين والزيادة على بعض الحروف الأصول من كلمة واحدة كما فصل في الزهر نقلا عن أئمة اللغة نعم الأصل عدم التركيب علمت نفس ما قدمت وأخرت جواب إذا لكن لا على أنها تعلمه عند البعث بل عند نشر الصحف لما عرفت أن المراد بها زمان واحد مبدؤه قبيل النفخة الأولى أو هي ومنتهاه الفصل بين الخلائق لا أزمنة متعددة بحسب كلمة إذا وإنما كررت لتهويل ما في حيزها من الدواهي والكلام فيه كالذي مر في نظيره ومعنى ما قدم وأخر ما أسلف من عمل خير أو شر وآخر من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده قاله ابن عباس وأبي مسعود وعن ابن عباس أيضا ما قدم معصية وأخر من طاعة وهو قول قتادة وقيل ما عمل ما كلف به وما لم يعمل منه وقيل ما قدم من أمواله لنفسه وما أخر لورثته وقيل أول عمله وآخره ومعنى علمها بهما علمها التفصيلي حسبما ذكر فيما قدم يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم أي أي شيء خدعك وجراك على عصيانه تعالى وارتكاب ما لا يليق بشأنه عز شأنه وقد علمت ما بين يديك وما سيظهر من أعمالك عليك والتعرض لعنوان كرمه تعالى دون قهره سبحانه من صفات الجلال المانعة ملاحظتها عن الأغترار للإيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدارا لاغتراره حسبما يغويه الشيطان ويقول لأه افعل ما شئت فإن ربك كريم قد تفضل عليك في الدنيا وسيفعل مثله في الآخرة أو يقول له نحو ذلك مما مبناه الكرم كقول بعض شياطين الإنس تكثر ما استطعت من الخطايا
ستلقى في غد ربا غفورا تعض ندامة كفيك مما
تركت مخافة الذنب السرورا فإنه قياس عقيم وتمنيه باطلة بل هو مما يوجب المبالغة في الإقبال على الإيمان والطاعة والأجتناب عن الكفر والعصيان دون العكس ولذا قال بعض العارفين لو لم أخف الله تعالى لم أعصه فكأنه قيل ما حملك على عصيان ربك

الصفحة 63